وإذا كان الله سبحانه هو الخالق لليل والنهار وما سكن فيهما المتفرد بإيجادها فله ما سكن في الليل والنهار، وهو المالك الحق لجميع الليل والنهار وسكانهما وما يستعقب وجودها من الحوادث والأفعال والأقوال، وله النظام الجارى فيها على عجيب سعته فهو السميع لأقوالنا من أصوات وإشارات، والعليم بأعمالنا وأفعالنا بما لها من صفتي الحسن والقبح، والعدل والظلم والاحسان والاساءة وما تكتسبه النفوس من سعادة وشقاء.
وكيف يمكنه الجهل بذلك وقد نشأ الجميع في ملكه وبإذنه ؟ ونحو وجود هذا النوع من الأمور أعنى الحسن والقبح والعدل والظلم والطاعة والمعصية، وكذا اللغات الدالة على المعاني الذهنية كل ذلك أمور علمية لا تحقق لها في غير ظرف العلم، ولذلك نرى أن الفعل لا يقع منا حسنا ولا قبيحا ولا طاعة ولا معصية، والصوت المؤلف لا يسمى كلاما إلا إذا علمنا به وقصدنا وجهه.
وكيف يمكن أن يملك شئ علمي في نفسه من حيث كونه كذلك ثم يجهله مالكه، ولا يعلم به ؟ ( أجد التأمل فيه ).
والله سبحانه هو الذى أوجد هذا العالم على عجيب سعته في أجزائه البسيطة
والعنصرية والمركبة على نظام يدهش اللب، ثم خلقنا وأسكننا الليل والنهار ثم كثرنا وأجرى بيننا نظام الاجتماع الإنساني ثم هدانا إلى وضع اللغات، واعتبار السنن ووضع الاعتبارات، ولم يزل يصاحبنا ويصاحب سائر الأسباب خطوة خطوة، ويجارينا وإياها في مسير الليل والنهار لحظة لحظة وساق حوادث لا نحصيها حادثة بعد حادثة.