حتى تكلم الواحد منا بكلام فوضع المعنى في قلبه بإلهامه، وأجرى اللفظ في لسانه بتعريفه، وأسمع الصوت لمخاطبة بإسماعه، وسار بمعناه إلى ذهنه بحفظه، وفهم المعنى لمفكرته بتعليمه، ثم بعثه لموافقه ما ألقاه إليه المتكلم أو صده عن ذلك بإرادة باعثة له إليه أو كراهة دافعة له عنه، وهو في جميع هذه المراحل التى تعجز عن الانعقاد عليها أنامل العد والاحصاء قائد وسائق وهاد وحفيظ ورقيب ! فكيف يسع لقائل إلا أن يقول : إنه تعالى سميع عليم، وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم.
وكذا إذا عمل الواحد منا بعمل حسنة كان أو سيئة فهو مولود من أب وأم يولدانه تحت مراقبه الاختيار والإرادة، وقد انتقل إليهما بعد ما قطع طريقا بعيدا وأمدا مديدا في أصلاب أسباب فاعلة وأرحام علل أخرى منفعلة إلى أن ينتهى بما الله أعلم به، ولم يزل سبحانه ينقله بإرادته من حجر إلى حجر، والأرض قبضته والسموات بيمينه حتى نزل منزل الاختيار فصاحبه منزلا بعد منزل بإذنه حتى طلع من أفق العين، وأخذ موضعه من مسكن الليل والنهار ثم لا يزال يجرى فيما يتأثر منه من أجزاء الكون كأحد الأسباب الجارية، والله سبحانه عليه شهيد وبه محيط فكيف يمكن أن يغفل سبحانه عما هذا شأنه ؟ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
ومما تقدم يظهر أن قوله تعالى :( وهو السميع العليم ) بمنزلد النتيجة لقوله :( وله ما سكن في الليل والنهار ).
والسمع والعلم وإن كان معدودين من صفاته تعالى الذاتية التى هي عين الذات المتعالية من غير أن يتفرع على أمر غيرها لكن من العلم وكذا السمع والبصر ما هو صفة فعلية خارجة عن الذات وهى التى يتوقف ثبوتها على تحقق متعلق غير الذات المقدسة كالخلق والرزق والإحياء والإماتة المتوقفة على وجود مخلوق ومرزوق وحى وميت.