قوله تعالى ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾
فصل
قال الفخر :
﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ أي وهو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد.
فإن قيل : كيف فسرت الإطعام بالرزق ؟ وقد قال تعالى :﴿ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون﴾ [ الذاريات : ٥٧ ] والعطف يوجب المغايرة.
قلنا لا شك في حصول المغايرة بينهما، إلا أنه قد يحسن جعل أحدهما كناية عن الآخر لشدة ما بينهما من المقاربة والمقصود من الآية : أن المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع.
وقرئ ﴿ولا يطعم﴾ بفتح الياء، وروى ابن المأمون عن يعقوب ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل، وعلى هذا التقدير : فالضمير عائد إلى المذكور في قوله ﴿أغير الله﴾ وقرأ الأشهب ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ على بنائهما للفاعل.
وفسر بأن معناه : وهو يطعم ولا يستطعم.
وحكى الأزهري : أطعمت بمعنى استطعمت.
ويجوز أن يكون المعنى : وهو يطعم تارة لا يطعم أخرى على حسب المصالح كقوله : وهو يعطي ويمنع، ويبسط ويقدر، ويغني ويفقر.
واعلم أن المذكور في صدر الآية هو المنع من اتخاذ غير الله تعالى ولياً.
واحتج عليه بأنه فاطر السماوات والأرض وبأنه يطعم ولا يطعم.
ومتى كان الأمر كذلك امتنع اتخاذ غيره ولياً.
أما بيان أنه فاطر السماوات والأرض، فلأنا بينا أن ما سوى الواحد ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يقع موجوداً إلا بإيجاد غيره، فنتج أن ما سوى الله فهو حاصل بإيجاده وتكوينه.
فثبت أنه سبحانه هو الفاطر لكل ما سواه من الموجودات.
وأما بيان أنه يطعم ولا يطعم فظاهره لأن الإطعام عبارة عن إيصال المنافع، وعدم الاستطعام عبارة عن عدم الانتفاع.
ولما كان هو المبديء تعالى وتقدس لكل ما سواه، كان لا محالة هو المبديء لحصول جميع المنافع.
ولما كان واجباً لذاته كان لا محالة غنياً ومتعالياً عن الانتفاع بشيء آخر فثبت بالبرهان صحة أنه تعالى فاطر السماوات والأرض، وصحة أنه يطعم ولا يطعم، وإذا ثبت هذا امتنع في العقل اتخاذ غيره ولياً لأن ما سواه محتاج في ذاته وفي جميع صفاته وفي جميع ما تحت يده.