وأقول ههنا دقيقة أخرى، وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة، والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقياً إلى الأخفى فالأخفى، فهذا ما يتعلق بوجه النظم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٨ ـ ١٣٩﴾

فصل


قال الثعلبى :
﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار ﴾ الآية.
قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا للنبي ﷺ يا محمد إنا قد علمنا أنه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلاّ الحاجة، فنحن نجمع ذلك من أموالنا ما نغنيك حتى تكون من أغنانا فأنزل اللّه تعالى قوله ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ ﴾. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
فائدة
قال الفخر :
قوله :﴿وله ما سكن في الليل والنهار﴾ يفيد الحصر والتقدير : هذه الأشياء له لا لغيره، وهذا هو الحق لأن كل موجود فهو إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، فالواجب لذاته ليس إلا الواحد.
وما سرى ذلك الواحد ممكن.
والممكن لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، وكل ما حصل بإيجاده وتكوينه كان ملكاً له، فثبت أن ما سوى ذلك الموجود الواجب لذاته فهو ملكه ومالكه فلهذا السبب قال ﴿وله ما سكن في الليل والنهار ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٩﴾

فصل


قال الفخر :
في تفسير هذا السكون قولان :
الأول : أن المراد منه الشيء الذي سكن بعد أن تحرك، فعلى هذا، المراد كل ما استقر في الليل والنهار من الدواب، وجملة الحيوانات في البر والبحر وعلى هذا التقدير : قالوا في الآية محذوف والتقدير : وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار كقوله تعالى :﴿سَرَابِيل تقيكم الحر﴾ [ النحل : ٨١ ] أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لأنه يعرف ذلك بالقرينة المذكورة، كذلك هنا حذف ذكر الحركة، لأن ذكر السكون يدل عليه.


الصفحة التالية
Icon