والقول الثاني : أنه ليس المراد من هذا السكون ما هو ضد الحركة، بل المراد منه السكون بمعنى الحلول.
كما يقال : فلان يسكن بلد كذا إذا كان محله فيه، ومنه قوله تعالى :﴿وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم﴾ [ إبراهيم : ٤٥ ] وعلى هذا التقدير : كان المراد، وله كل ما حصل في الليل والنهار.
والتقدير : كل ما حصل في الوقت والزمان سواء كان متحركاً أو ساكناً، وهذا التفسير أولى وأكمل.
والسبب فيه أن كل ما دخل تحت الليل والنهار حصل في الزمان فقد صدق عليه أنه انقضى الماضي وسيجيء المستقبل، وذلك مشعر بالتغير وهو الحدوث، والحدوث ينافي الأزلية والدوام، فكل ما مرّ به الوقت ودخل تحت الزمان فهو محدث وكل حادث فلا بدّ له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدماً عليه والمتقدم على الزمان فهو محدث وكل حادث فلا بدّ له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدماً عليه والمتقدم على الزمان يجب أن يكون مقدماً على الوقت والزمان فلا تجري عليه الأوقات ولا تمر به الساعات ولا يصدق عليه أنه كان وسيكون.
واعلم أنه تعالى لما بيّن فيما سبق أنه مالك للمكان وجملة المكانيات ومالك للزمان وجملة الزمانيات، بين أنه سميع عليم يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين.
والمقصود منه الرد على من يقول الإله تعالى موجب بالذات، فنبّه على أنه وإن كان مالكاً لكل المحدثات لكنه فاعل مختار يسمع ويرى ويعلم السر وأخفى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٩﴾
وقال الثعلبى :
قال أبو روحى : إن من الخلق ما يستقر نهاراً وينتشر ليلاً ومنها ما يستقر ليلاً وينتشر نهاراً. وقال عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن جرير : كلّ ما طلعت عليه الشمس وغيبت فهو من ساكن الليل والنهار والمراد جميع ما في الأرض لأنه لا شيء من خلق اللّه عز وجل إلاّ هو ساكن في الليل والنهار، وقيل : معناه وله ما يمر عليه الليل والنهار.
وقال أهل المعاني : في الآية لغتان واختصار مجازها : وله ما سكن وشرك في الليل والنهار كقوله ﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] والبرد وأراد في كل شيء ﴿ وَهُوَ السميع ﴾ لأصواتهم ﴿ العليم ﴾ بأسرارهم.
وقال الكلبي : يعني هو السميع لمقالة قريش العليم بمن يكسب رزقهم. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon