والسادس : أن قوله ﴿حتى إذا جاءُوك يجادلونك﴾ يدل على أنهم كانوا يفقهون ويميزون الحق من الباطل، وعند هذا قالوا لا بد من التأويل وهو من وجوه : الأول : قال الجبائي إن القوم كانوا يستمعون لقراءة الرسول ﷺ ليتوسلوا بسماع قراءته إلى معرفة مكانه بالليل فيقصدوا قتله وإيذاءه فعند ذلك كان الله سبحانه وتعالى يلقي على قلوبهم النوم، وهو المراد من الأكنة، ويثقل أسماعهم عن استماع تلك القراءة بسبب ذلك النوم، وهو المراد من قوله ﴿وفي آذانهم وَقْراً﴾ والثاني : أن الإنسان الذي علم الله منه أنه لا يؤمن وأنه يموت على الكفر فإنه تعالى يسم قلبه بعلامة مخصوصة يستدل الملائكة برؤيتها على أنه لا يؤمن، فصارت تلك العلامة دلالة على أنهم لا يؤمنون.
وإذا ثبت هذا فنقول : لا يبعد تسمية تلك العلامة بالكنان والغطاء المانع، مع أن تلك العلامة في نفسها ليست مانعة عن الإيمان.
والتأويل الثالث : أنهم لما أصروا على الكفر وعاندوا وصمموا عليه، فصار عدولهم عن الإيمان والحالة هذه كالكنان المانع عن الإيمان، فذكر الله تعالى الكنان كناية عن هذا المعنى.
والتأويل الرابع : أنه تعالى لما منعهم الالطاف التي إنما تصلح أن تفعل بمن قد اهتدى فأخلاهم منها، وفوض أمرهم إلى أنفسهم لسوء صنيعهم لم يبعد أن يضيف ذلك إلى نفسه فيقول ﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾.
والتأويل الخامس : أن يكون هذا الكلام ورد حكاية لما كانوا يذكرونه من قولهم ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ﴾ [ فصلت : ٥ ].


الصفحة التالية
Icon