والجواب عن الوجوه التي تمسكوا بها في بيان أنه لا يمكن حمل الكنان والوقر على أن الله تعالى منعهم عن الإيمان، وهو أن نقول : بل البرهان العقلي الساطع قائم على صحة هذا المعنى، وذلك لأن العبد الذي أتى بالكفر إن لم يقدر على الإتيان بالإيمان، فقد صح قولنا إنه تعالى هو الذي حمله على الكفر وصده عن الإيمان.
وأما إن قلنا : إن القادر على الكفر كان قادراً على الإيمان فنقول : يمتنع صيرورة تلك القدرة مصدراً للكفر دون الإيمان، إلا عند انضمام تلك الداعية، وقد عرفت في هذا الكتاب أن مجموع القدرة مع الداعي يوجب الفعل، فيكون الكفر على هذا التقدير من الله تعالى، وتكون تلك الداعية الجارة إلى الكفر كناناً للقلب عن الإيمان، ووقراً للسمع عن استماع دلائل الإيمان، فثبت بما ذكرنا أن البرهان العقلي مطابق لما دل عليه ظاهر هذه الآية.
وإذا ثبت بالدليل العقلي صحة ما دل عليه ظاهر هذه الآية، وجب حمل هذه الآية عليه عملاً بالبرهان وبظاهر القرآن، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥٤ ـ ١٥٥﴾
فائدة
قال الفخر :
إنه تعالى قال :﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ فذكره بصيغة الإفراد ثم قال :﴿على قُلُوبِهِمْ﴾ فذكره بصيغة الجمع.
وإنما حسن ذلك لأن صيغة ( من ) واحد في اللفظ جمع في المعنى.


الصفحة التالية
Icon