وقد يعدل عن ذلك ويقع بعد ( حتّى ) جملة فتكون ( حتّى ) ابتدائية، أي تؤذن بابتداء كلام مضمونه غاية لكلام قبل ( حتى ).
ولذلك قال ابن الحاجب في "الكافية" : إنّها تفيد السببية، فليس المعنى أنّ استماعهم يمتدّ إلى وقت مجيئهم ولا أنّ جعل الأكنّة على قلوبهم والوقر في آذانهم يمتدّ إلى وقت مجيئهم، بل المعنى أن يتسبّب على استماعهم بدون فهم.
وجعل الوقر على آذانهم والأكنّة على قلوبهم أنّهم إذا جاءوك جادلوك.
وسمّيت ﴿ حتى ﴾ ابتدائية لأنّ ما بعدها في حكم كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً.
ويأتي قريب من هذا عند قوله :﴿ قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله حتّى إذا جاءتهم الساعة بغتة ﴾ في هذه السورة [ ٣١ ]، وزيادة تحقيق لمعنى ( حتّى ) الابتدائية عند قوله تعالى :﴿ فمن أظلم من افترى على الله كذباً إلى قوله حتى إذا جاءتهم رسلنا ﴾ الخ في سورة [ الأعراف : ٣٧ ].
﴿ وإذا ﴾ شرطية ظرفية.
و﴿ جاءوك ﴾ شرطها، وهو العامل فيها.
وجملة ﴿ يجادلونك ﴾ حال مقدّرة من ضمير ﴿ جاءوك ﴾ أي جاءوك مجادلين، أي مقدّرين المجادلة معك يظهرون لقومهم أنّهم أكفّاء لهذه المجادلة.
وجملة ﴿ يقول ﴾ جواب ﴿ إذا ﴾، وعدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله :﴿ يقول الذين كفروا ﴾ لزيادة التسجيل عليهم بالكفر، وأنّهم ما جاءوا طالبين الحقّ كما يدّعون ولكنّهم قد دخلوا بالكفر وخرجوا به فيقولون ﴿ إن هذا إلاّ أساطير الأولين ﴾، فهم قد عدلوا عن الجدل إلى المباهتة والمكابرة.
والأساطير جمع أسطورة بضم الهمزة وسكون السين وهي القصّة والخبر عن الماضين.
والأظهر أنّ الأسطورة لفظ معرّب عن الرومية : أصله إسطوريَا بكسر الهمزة وهو القصّة.
ويدلّ لذلك اختلاف العرب فيه، فقالوا : أسطورة وأسطيرة وأسطور وأسطير، كلّها بضم الهمزة وإسطارة وإسطار بكسر الهمزة.
والاختلاف في حركات الكلمة الواحدة من جملة أمارات التعريب.
ومن أقوالهم :"أعجميّ فالعب به ما شئْت".