وأحسن الألفاظ لها أسطُورة لأنّها تصادف صيغة تفيد معنى المفعول، أي القصّة المسطورة.
وتفيد الشهرة في مدلول مادّتها مثل الأعجوبة والأحدوثة والأكرومة.
وقيل : الأساطير اسم جمع لا واحد له مثل أبابيل وعباديد وشَمَاطيط.
وكان العرب يطلقونه على ما يتسامر الناس به من القصص والأخبار على اختلاف أحوالها من صدق وكذب.
وقد كانوا لا يميِّزون بين التواريخ والقصص والخرافات فجميع ذلك مرمي بالكذب والمبالغة.
فقولهم :﴿ إن هذا إلاّ أساطير الأولين ﴾.
يحتمل أنّهم أرادوا نسبة أخبار القرآن إلى الكذب على ما تعارفوه من اعتقادهم في الأساطير.
ويشتمل أنّهم أرادوا أنّ القرآن لا يخرج عن كونه مجموع قصص وأساطير، يعنون أنّه لا يستحقّ أن يكون من عند الله لأنّهم لقصور أفهامهم أو لتجاهلهم يعرضون عن الاعتبار المقصود من تلك القصص ويأخذونها بمنزلة الخرافات التي يتسامر الناس بها لتقصير الوقت.
وسيأتي في سورة الأنفال أنّ من قال ذلك النضر بن الحارث، وأنّه كان يمثّل القرآن بأخبار ( رستم ) و( اسفنديار ). أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه كان مقصود القوم من ذكر قولهم ﴿إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين﴾ القدح في كون القرآن معجزاً فكأنهم قالوا : إن هذا الكلام من جنس سائر الحكايات المكتوبة، والقصص المذكورة للأولين، وإذا كان هذا من جنس تلك الكتب المشتملة على حكايات الأولين وأقاصيص الأقدمين لم يكن معجزاً خارقاً للعادة.
وأجاب القاضي عنه بأن قال : هذا السؤال مدفوع لأنه يلزم أن يقال لو كان في مقدوركم معارضته لوجب أن تأتوا بتلك المعارضة وحيث لم يقدروا عليها ظهر أنها معجزة.
ولقائل أن يقول : كان للقوم أن يقولوا نحن وإن كنا أرباب هذا اللسان العربي إلا أنا لا نعرف كيفية تصنيف الكتب وتأليفها ولسنا أهلاً لذلك.
ولا يلزم من عجزنا عن التصنيف كون القرآن معجزاً لأنا بينا أنه من جنس سائر الكتب المشتملة على أخبار الأولين وأقاصيص الأقدمين.
واعلم أن الجواب عن هذا السؤال سيأتي في الآية المذكورة بعد ذلك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥٥ ـ ١٥٦﴾