قوله تعالى ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
قال الفخر :
قال ابن عباس، أي وما يهلكون إلا أنفسهم بسبب تماديهم في الكفر وغلوهم فيه وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يرتكبون من الكفر والمعصية، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥٧﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَإِن يُهْلِكُونَ ﴾ أي وما يهلكون بذلك ﴿ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾ بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه وهو عذاب الضلال والإضلال.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ حال من ضمير ﴿ يُهْلِكُونَ ﴾ أي يقصرون الإهلاك على أنفسهم والحال أنهم غير شاعرين ( أي ) لا بإهلاكهم أنفسهم ولا باقتصار ذلك عليها من غير أن يضروا بذلك شيئاً من القرآن أو النبي ﷺ، وإنما عبر عنه بالإهلاك مع أن المنفي عن غيرهم مطلق الضرر للإيذان بأن ما يحيق بهم هو الهلاك لا الضرر المطلق.
على أن مقصدهم لم يكن مطلق الممانعة فيما ( ذكروا ) بل كانوا يبغون الغوائل لرسول الله ﷺ الذي هو نظام عقد لآلىء الآيات القرآنية.
وجوز أن يكون الإهلاك معتبراً بالنسبة إلى الذين يضلونهم بالنهي فقصْره على أنفسهم حينئذ مع شموله للفريقين مبني على تنزيل عذاب الضلال عند عذاب الإضلال منزلة العدم.
"ونفي الشعور على ما في "البحر" أبلغ من نفي العلم" كأنه قيل : وما يدركون ذلك أصلاً. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
والقصر في قوله :﴿ وإنْ يهْلِكُون إلاّ أنْفسهم ﴾ قصر إضافي يفيد قلب اعتقادهم لأنّهم يظنّون بالنهي والنأي عن القرآن أنّهم يضرّون النبي ﷺ لئلاّ يتّبعوه ولا يتّبعه الناس، وهم إنّما يُهلكون أنفسهم بدوامهم على الضلال وبتضليل الناس، فيحملون أوزارهم وأوزار الناس، وفي هذه الجملة تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وأنّ ما أرادوا به نكايته إنّما يضرّون به أنفسهم.
وأصل الهلاك الموت.
ويطلق على المضرّة الشديدة لأنّ الشائع بين الناس أنّ الموت أشدّ الضرّ.
فالمراد بالهلاك هنا ما يلقونه في الدنيا من القتل والمذلّة عند نصر الإسلام وفي الآخرة من العذاب.
والنأي : البعد.
وهو قاصر لا يتعدّى إلى مفعول إلاّ بحرف جرّ، وما ورد متعدّياً بنفسه فذلك على طريق الحذف والإيصال في الضرورة.
وعقّب قوله :﴿ وإن يهلكون إلاّ أنفسهم ﴾ بقوله :﴿ وما يشعرون ﴾ زيادة في تحقيق الخطأ في اعتقادهم، وإظهاراً لضعف عقولهم مع أنّهم كانوا يعدّون أنفسهم قادة للناس، ولذلك فالوجه أن تكون الواو في قوله :﴿ وما يشعرون ﴾ للعطف لا للحال ليفيد ذلك كون ما بعدها مقصوداً به الإخبار المستقلّ لأنّ الناس يعُدّونهم أعظم عقلائهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon