وتعقب كل ذلك بأنه بعد الإغضاء عما فيه من الاعتساف لا سبيل إليه هنا لأن سوق النظم الجليل لتهويل أمر النار وتفظيع حال أهلها، وقد ذكر وقوفهم عليها وأشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحيرة والدهشة ما لا يحيط به الوصف، ورتب عليهم تمنيهم المذكور بالفاء القاضية بسببية ما قبلها لما بعدها فإسقاط النار بعد ذلك من السببية وهي في نفسها أدهى الدواهي وأزجر الزواجر إلى ما دونها في ذلك مع عدم جريان ذكره ثمة أمر ينبغي تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله، ونقل عن المبرد أن الكلام على حذف مضاف أي بدا لهم وبال ما كانوا يخفون ولا يخفى ما فيه أيضاً فتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ﴾ إضراب عن قولهم ﴿ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين ﴾.
والمعنى بل لأنّهم لم يبق لهم مطمع في الخلاص.
وبدا الشيء ظهر.
ويقال : بدا له الشيء إذا ظهر له عياناً.
وهو هنا مجاز في زوال الشكّ في الشيء، كقول زهير :
بدا ليَ أنّي لستُ مدرك ما مضى
ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً...
ولمّا قوبل ﴿ بدا لهم ﴾ في هذه الآية بقوله :﴿ ما كانوا يخفون ﴾ علمنا أنّ البَداء هو ظهور أمر في أنفسهم كانوا يخفونه في الدنيا، أي خطر لهم حينئذٍ ذلك الخاطر الذي كانوا يخفونه، أي الذي كان يبدو لهم، أي يخطر ببالهم وقوعه فلا يُعلنون به فبدا لهم الآن فأعلنوا به وصرّحوا مُعترفين به.
ففي الكلام احتباك، وتقديره : بل بدا لهم ما كان يبدو لهم في الدنيا فأظهروه الآن وكانوا يخفونه.