" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
" بل " هنا للانْتِقَال من قِصَّةٍ إلى أخرى، وليست للإبطال، وعبارةُ بعضهم تُوهمُ أنَّ فيها إبْطالاً لكلام الكَفَرةِ، فإنه قال :" بل " رَدٌّ لِما تمنَّوْهُ أي : ليس الأمْرُ على ما قالوه ؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رَغْبَةً منهم في الإيمان، بل قالوه إشْفَاقاً من العذابِ وطَمَعاً في الرَّحْمَةِ.
قال أبو حيَّان :" ولا أدْرِي ما هذا الكلام ".
قال شهاب الدِّين : ولا أدري ما وَجْهُ عدم الدِّرَايَةِ منه؟ وهو كلامٌ صحيح ف نفسهن فإنهم لمَّا قالوا : ياليتنا كأنهم قالوا تَمَنَّيْنَا، ولكن هذا التمني ليس بصحيحٍ، لأنهم إنما قالوه تَقِيَّةً، فق يتمنى الإنسانُ شَيْئاً بلسانه، وقَلْبُهُ فَارغٌ منه.
وقال الزجاج - رحمه الله تعالى - :" بل " هنا استداركٌ وإيجابُ نَفْيِ، كقولهم :" ما قام زيد بل قام عمرو ".
وقال أبُو حيَّان :" ولا أدري ما النَّفْيُ الذي سَبَقَ حتى توجبه بل " ؟ قال شهابُ الدين - رحمه الله تعالى - : الظَّاهِرُ أن النفي الذي أراده الزَّجَّاج هو الذي في قوله :" ولا نكذِّبُ بآيات ربنا " إذا جعلناه مُسْتَأنفاً على تقدير : ونحنُ لا نُكَذِّبُ، والمعنى : بل إنهم مُكَدِّبُون.
وفاعلُ " بَدَا " قوله :" ما كانوا "، و" ما " يجوز أ، تكون مَوْصُلةً اسميةً وهو الظَّاهرُ، أي : ظهر لهم الذي كانوا يُخْفُونَهُن والعائدُ محذوف، ويجوز أن تكون مصْدريَّةً، أي : ظهر لهم إخْفَاؤهُمْ، أي : عاقبته، أو أطْلِق المَصْدَرُ على اسم المفعول، وهو بَعِيدٌ، والظَّاهرُ أن الضميرين : أعني المجرور والمرفوع في قوله :﴿ بَدَا لَهُمْ ما كَانُوا يُخْفُونَ ﴾ عائدان على شيء واحدٍن وهم الكُفَّار أو اليهود والنصارى خاصة.
وقيل : المجرور للأتْبَاعِ والمرفوعُ للرُّؤسَاءِ، أي : بل بدا للأتْبَاعِ ما كان الوُجَهَاءُ المتبوعون يُخْفُونَهُ.
فتشهد عليهم بالكُفْرِ، فذلك حين بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل.
قال الواحديّ : وعلى هذا القول أهل التفسير.
وقال المُبَرِّدُ : بَدَا لَهُمْ وبَالُ عقائدهم وأعمالهم وسُوءُ عاقبتها.
وقال الزجاج : بَدَا للأتْبَاعِ ما أخْفَاهُ الرؤساء عنهم من أمْرِ البعث والنشور، قال : ويدلُّ [ على ذلك ] أنه - تبارك وتعالى٠ ذكر عَقِيبَهُ : وقالوا ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٣٧ ] وهذا قول الحَسَنِ.
وقال بعضهم : هذا في المُنَافِقِينَ كانوا يُسِرُّون الكُفْرَ، ويظهرون الإسلام، وبدا لهم يوم القيامة، وهو ما كانوا يخفون من قبل.
وقيل : بَدَا لَهُمْ ما كان علماؤهم يخفون من جَحْد نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام ونعته والبِشَارِةِ به، وما كانوا يُحَرِّفُونَ من التوراة.
قوله :" ولو رُدُّوا " قرأ الجمهور بضم الراء خالصاً.


الصفحة التالية
Icon