ويستشهدون على ذلك بهذه القراءة، وذهب البصريون إلى أن ذلك ضرورة، وقيل : إن التأنيث على معنى المقالة وهو من قبيل جاءته كتابي أي رسالتي ولا يخفى أن هذا قليل في كلامهم، وقال الزمخشري ونقل بعينه عن أبي علي :"إن ذلك من قبيل من كانت أمك"؟ ونوقش بما لا طائل فيه، وزعم بعضهم أن القراءتين الأخيرتين أفصح من القراءة الأولى لأن فيها جعل الأعرف خبرا وغير الأعرف اسماً لأن ﴿ أَن قَالُواْ ﴾ يشبه المضمر والمضمر أعرف المعارف وهو خلاف الشائع المعروف دونهما وفيه نظر إذ لا يلزم من مشابهة شيء لشيء في حكم مشابهته له في حميع الأحكام، والجملة على سائر القراءات عطف على الفعل المقدر العامل في ﴿ يَوْمٍ نَحْشُرُهُمْ ﴾ [ الأنعام : ٢٢ ] الخ على ما مرت الإشارة إليه.
وجعلها غير واحد عطفاً على الجملة قبلها.
و﴿ ثُمَّ ﴾ إما على ظاهرها بناء على القول الأول وإما للتراخي في الرتبة بناء على القولين الأخيرين لأن معذرتهم أو جوابهم هذا أعظم من التوبيخ السابق.
وأنت تعلم أنه لا ضرورة للعدول عن الظاهر لجواز أن يكون هناك تراخ في الزمان بناء على أن الموقف عظيم فيمكن أن يقال : إنهم لما عاينوا هول ذلك اليوم وتجلى الملك الجبار جل جلاله عليهم بصفة الجلال كما ينبىء عنه الجملة السابقة حاروا ودهشوا فلم يستطيعوا الجواب إلا بعد زمان.
ومما ينبىء على دهشتهم وحيرتهم أنهم كذبوا وحلفوا في كلامهم هذا ولو لم يكونوا حيارى مدهوشين لما قالوا الذي قالوا لأن الحقائق تنكشف يوم القيامة فإذا اطلع أهلها عليها وعلى أنها لا تخفى عليه سبحانه وأنه لا منفعة لهم في مثل ذلك استحال صدوره عنهم.
وللغفلة عن بناء الأمر عن الدهشة والحيرة منع الجبائي والقاضي ومن وافقهما جواز الكذب على أهل القيامة مستدلين بما ذكرنا.
وأجابوا عن الآية بأن المعنى ما كنا مشركين في اعتقادنا وظنوننا وذلك لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أنهم موحدون متباعدون عن الشرك.