وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ كذب المشركين قولُهم : إن عبادة الأصنام تُقرِّبنا إلى الله زُلْفَى، بل ظَنُّوا ذلك وظَنُّهُمْ الخطأ لا يُعذِرهم ولا يزيل اسم الكذب عنهم، وكذب المنافقين باعتذارهم بالباطل، وجحدهم نفاقهم.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ أي فانظر كيف ضلّ عنهم افتراؤهم أي تَلاَشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم.
وقيل :﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئاً ؛ عن الحسن.
وقيل : المعنى عَزَب عنهم افتراؤهم لَدَهشهم، وذهول عقولهم.
والنظر في قوله :"انظر" يراد به نظر الاعتبار ؛ ثم قيل ؛ "كَذَبُوا" بمعنى يكذِبون، فعبّر عن المستقبل بالماضي ؛ وجاز أن يكذِبوا في الآخرة لأنه موضع دَهَش وحَيْرة وذهول عقل.
وقيل : لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة ؛ لأنها دار جزاء على ما كان في الدنيا وعلى ذلك أكثر أهل النظر وإنما ذلك في الدنيا ؛ فمعنى ﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ على هذا : ما كنا مشركين عند أنفسنا ؛ وعلى جواز أن يكذِبوا في الآخرة يعارضه قوله :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً ﴾ [ النساء : ٤٢ ] ؛ ولا معارضة ولا تناقض ؛ لا يَكتمون الله حديثاً في بعض المواطن إذا شهدت عليه ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بعملهم، ويكذبون على أنفسهم في بعض المواطن قبل شهادة الجوارح على ما تقدّم.
والله أعلم.