وأسند جعل تلك الحالة في قلوبهم إلى الله تعالى لأنّه خلقهم على هذه الخصلة الذميمة والتعقّل المنحرف، فهم لهم عقول وإدراك لأنّهم كسائر البشر، ولكن أهواءهم تخيّر لهم المنع من اتِّباع الحقّ، فلذلك كانوا مخاطبين بالإيمان مع أنّ الله يعلم أنّهم لا يؤمنون إذ كانوا على تلك الصفة، على أنّ خطاب التكليف عامّ لا تعيين فيه لأناس ولا استثناء فيه لأناس.
فالجعل بمعنى الخلق وليس للتحويل من حال إلى حال.
وقد مات المسمّون كلّهم على الشرك عدا أبا سفيان فإنّه شهد حينئذٍ بأنّ ما سمعه حقّ، فدلّت شهادته على سلامة قلبه من الكنان.
والضمير المنصوب في ﴿ أن يفقهوه ﴾ عائد إلى القرآن المفهوم من قوله ﴿ يستمع إليك ﴾.
وحذف حرف الجرّ.
والتقدير : من أن يفقهوه، ويتعلّق بـ ﴿ أكنّة ﴾ لما فيه من معنى المنع، أي أكنّة تمنع من أن يفهموا القرآن.
والوَقر بفتح الواو الصمم الشديد وفعله كوعد ووجد يستعمل قاصراً، يقال : وقرت أذنه، ومتعدّياً يقال : وقر الله أذنه فوقرت.
والوقر مصدر غير قياسي لـ ( وقرت ) أذنه، لأنّ قياس مصدره تحريك القاف، وهو قياسي لـ ( وقر ) المتعدّي، وهو مستعار لعدم فهم المسموعات.
جعل عدم الفهم بمنزلة الصمم ولم يذكر للوقر متعلّق يدلّ على الممنوع بوقر آذانهم لظهور أنّه من أن يسمعوه، لأنّ الوقر مؤذن بذلك، ولأنّ المراد السمع المجازي وهو العلم بما تضمّنه المسموع.
وقوله :﴿ على قلوبهم ﴾، وقوله :﴿ في آذانهم ﴾ يتعلّقان بِ ﴿ جعلنا ﴾.
وقدّم كلّ منهما على مفْعول ﴿ جعلنا ﴾ للتنبيه على تعلّقه به من أول الأمر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يصرف عن الإيمان، ويمنع منه ويحول بين الرجل وبينه، وذلك لأن هذه الآية تدل على أنه جعل القلب في الكنان الذي يمنعه عن الإيمان، وذلك هو المطلوب.