قالت المعتزلة : لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه تعالى إنما أنزل القرآن ليكون حجة للرسول على الكفار لا ليكون حجة للكفار على الرسول، ولو كان المراد من هذه الآية أنه تعالى منع الكفار عن الإيمان لكان لهم أن يقولوا للرسول لما حكم الله تعالى بأنه منعنا من الإيمان فلم يذمنا على ترك الإيمان، ولم يدعونا إلى فعل الإيمان ؟
الثاني : أنه تعالى لو منعهم من الإيمان ثم دعاهم إليه لكان ذلك تكليفاً للعاجز وهو منفي بصريح العقل وبقوله تعالى :﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]
الثالث : أنه تعالى حكى صريح هذا الكلام عن الكفار في معرض الذم فقال تعالى :﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ﴾ [ فصلت : ٥ ] وقال في آية أخرى ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ﴾ [ البقرة : ٨٨ ] وإذا كان قد حكى الله تعالى هذا المذهب عنهم في معرض الذم لهم امتنع أن يذكره هاهنا في معرض التقريع والتوبيخ، وإلا لزم التناقض.
والرابع : أنه لا نزاع أن القوم كانوا يفهمون ويسمعون ويعقلون.
والخامس أن هذه الآية وردت في معرض الذم لهم على ترك الإيمان ولو كان هذا الصد والمنع من قبل الله تعالى لما كانوا مذمومين بل كانوا معذورين.


الصفحة التالية
Icon