فلا جرم كان الأغلب على المشركين والغالب على الناس اللعب واللهو إلاّ من آمن وعمل صالحاً.
فلذلك وقع القصر الادّعائي في قوله :﴿ وما الحياة الدنيا إلاّ لعب ولهو ﴾.
وعقّب بقوله :﴿ وللدّار الآخرة خير للذين يتَّقون ﴾، فعلم منه أنّ أعمال المتَّقين في الدنيا هي ضدّ اللعب واللهو، لأنّهم جعلت لهم دار أخرى هي خير، وقد علم أنّ الفوز فيها لا يكون إلاّ بعمل في الدنيا فأنتج أنّ عملهم في الدنيا ليس اللهو واللعب وأنّ حياة غيرهم هي المقصورة على اللهو واللعب.
والدار محلّ إقامة الناس، وهي الأرض التي فيها بيوت الناس من بناء أو خيام أو قباب.
والآخرة مؤنّثُ وصف الآخِر بكسر الخاء وهو ضدّ الأول، أي مقرّ الناس الأخير الذي لا تحوّل بعده. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
قرأ ابن عامر ﴿وَلَدَارُ الآخرة﴾ بإضافة الدار إلى الآخرة، والباقون ﴿وَلَلدَّارُ الآخرة﴾ على جعل الآخرة نعتاً للدار.
أما وجه قراءة ابن عامر فهو أن الصفة في الحقيقة مغايرة للموصوف فصحت الإضافة من هذا الوجه، ونظيره قولهم بارحة الأولى، ويوم الخميس وحق اليقين، وعند البصريين لا تجوز هذه الإضافة، قالوا لأن الصفة نفس الموصوف، وإضافة الشيء إلى نفسه ممتنعة.
واعلم أن هذا بناء على أن الصفة نفس الموصوف وهو مشكل لأنه يعقل تصور الموصوف منفكاً عن الصفة، ولو كان الموصوف عين الصفة لكان ذلك محالاً، ولقولهم وجه دقيق يمكن تقريره، إلا أنه لا يليق بهذا المكان، ثم إن البصريين ذكروا في تصحيح قراءة ابن عامر وجهاً آخر، فقالوا لم يجعل الآخرة صفة للدار، لكنه جعلها صفة للساعة، فكأنه قال : ولدار الساعة الآخرة.
فإن قيل : فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم تكون قد أقيمت الآخرة التي هي الصفة مقام الموصوف الذي هو الساعة وذلك قبيح.


الصفحة التالية
Icon