وهنا يفعل الهول فعله.. هنا تتعرى الفطرة من الركام الذي ران عليها في الدنيا.. هنا ينعدم من الفطرة ومن الذاكرة - كما هو منعدم في الواقع والحقيقة - وجود الشركاء ؛ فيشعرون أنه لم يكن شرك، ولم يكن شركاء.. لم يكن لهذا كله من وجود لا في حقيقة ولا واقع.. هنا " يفتنون " فيذهب الخبث، ويسقط الركام - من فتنة الذهب بالنار ليخلص من الخبث والزبد - :
﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين ﴾..
إن الحقيقة التي تجلت عنها الفتنة، أو التي تبلورت فيها الفتنة، هي تخليهم عن ماضيهم كله وإقرارهم بربوبية الله وحده ؛ وتعريهم من الشرك الذي زاولوه في حياتهم الدنيا.. ولكن حيث لا ينفع الإقرار بالحق والتعري من الباطل.. فهو إذن بلاء هذا الذي تمثله قولتهم وليس بالنجاة.. لقد فات الأوان.. فاليوم للجزاء لا للعمل.. واليوم لتقرير ما كان لا لاسترجاع ما كان..
لذلك يقرر الله سبحانه، معجباً رسوله - ﷺ - من أمر القوم، أنهم كذبوا على أنفسهم يوم اتخذوا هؤلاء الشركاء شركاء، حيث لا وجود لشركتهم مع الله في الحقيقة. وأنهم اليوم غاب عنهم ما كانوا يفترونه، فاعترفوا بالحق بعد ما غاب عنهم الافتراء :
﴿ انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾..
فالكذب منهم كان على أنفسهم ؛ فهم كذبوها وخدعوها يوم اتخذوا مع الله شريكاً، وافتروا على الله هذا الافتراء. وقد ضل عنهم ما كانوا يفترون وغاب، في يوم الحشر والحساب!