قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءَتْهُمُ الساعة بَغْتَةً ﴾ سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها.
ومعنى "بغتة" فجأة ؛ يقال : بَغَتهم الأمرُ يَبْغَتُهُمْ بَغْتاً وبَغْتَةً.
وهي نصب على الحال، وهي عند سيبويه مصدر في موضع الحال، كما تقول : قتلته صَبْراً.
وأنشد :
فَلأَيَاً بِلأْيً ما حَمَلْنَا وَليدَنا...
على ظَهْرِ مَحْبوكٍ ظِمَاءٍ مَفَاصِلهُ
ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه ؛ لا يقال : جاء فلان سُرْعةً.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ ياحسرتنا ﴾ وقع النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة، ولكنه يدل على كثرة التّحسر، ومثله يا للعجب ويا للرخاء وليسا بمنادين في الحقيقة، ولكنه يدل على كثرة التعجب والرخاء ؛ قال سيبويه : كأنه قال يا عجبُ تَعالَ فهذا زمن إتيانك ؛ وكذلك قولك يا حسرتي أي يا حسرتا تعالي فهذا وقتك ؛ وكذلك ما لا يصح نداؤه يجري هذا المجرى، فهذا أبلغ من قولك تعجبت.
ومنه قول الشاعر :
فيا عجباً من رَحْلِها المتحمَّلِ...
وقيل : هو تنبيه للناس على عظيم ما يحلّ بهم من الحسرة ؛ أي يا أيها الناس تنَبَّهوا على عظيم ما بي من الحسرة.
فوقع النداء على غير المنادى حقيقة ؛ كقولك : لا أَرينّك ها هنا.
فيقع النهي على غير المنهي في الحقيقة.
قوله تعالى :﴿ على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ﴾ أي في الساعة، أي في التقدمة لها ؛ عن الحسن.
و"فَرَّطْنَا" معناه ضيعنا وأصله التقدّم يقال :"فَرَط فلان أي تقدّم وسبق إلى الماء، ومنه :"أنا فَرَطكم على الحوض".
ومنه الفَارِط أي المتقدّم للماء، ومنه في الدعاء للصبي اللهم اجعله فَرَطا لأبويه ؛ فقولهم :"فَرَّطْنَا" أي قدمناه العجز.
وقيل :"فَرَّطْنَا" أي جعلناه غيرنا الفارِط السابق لنا إلى طاعة الله وتَخَلَّفنا.
"فيها" أي في الدنيا بترك العمل للساعة.