وقال أبو حيان :
﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ﴾
هذا استئناف إخبار من الله تعالى عن أحوال منكري لبعث وخسرانهم أنهم استعاضوا الكفر عن الإيمان فصار ذلك شبيهاً بحالة البائع الذي أخذ وأعطى وكان ما أخذ من الكفر سبباً لهلاكه وما أعطاه من الإيمان سبباً لنجاته، فأشبه الخاسر في صفقته العادم الربح ورأس ماله، ومعنى ﴿ بلقاء الله ﴾ بلوغ الآخرة وما يكون فيها من الجزاء ورجوعهم إلى أحكام الله فيها و﴿ حتى ﴾ غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم، لأن الخسران لا غاية له والتكذيب مغيا بالحسرة لأنه لا يزال بهم التكذيب إلى قولهم ﴿ يا حسرتنا ﴾ وقت مجيء الساعة، وتقدم الكلام على ﴿ حتى إذا ﴾ في قوله :﴿ حتى إذا جاؤوك يجادلونك ﴾ ومعنى ﴿ بلقاء الله ﴾ بلقاء جزائه والإضافة تفخيم وتعظيم لشأن الجزاء وهو نظير " لقي الله وهو عليه غضبان "، أي لقي جزاءه ومن أثبت أن الله تعالى في جهة استدل بهذا، وقال : اللقاء حقيقة و﴿ الساعة ﴾ يوم القيامة سمّى ساعة لسرعة انقضاء الحساب فيها للجزاء لقوله :﴿ أسرع الحاسبين ﴾ قال ابن عطية : وأدخل عليها تعريف العهد دون تقدم ذكرك لشهرتها واستقرارها في النفوس وذياع ذكرها، وأيضاً فقد تضمنها قوله ﴿ بلقاء الله ﴾ انتهى.
ثم غلب استعمال ﴿ الساعة ﴾ على يوم القيامة فصارت الألف واللام فيها للغلبة كهي في البيت للكعبة والنجم للثريا.
وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : إنما يتحسرون عند موتهم ( قلت ) : لما كان الموت وقوعاً في أحوال الآخرة ومقدماتها، جعل من جنس الساعة وسمّي باسمها ولذلك قال رسول الله ﷺ :" من مات فقد قامت قيامته ".
وجعل في مجيء الساعة بعد الموت لسرعته فالواقع بغير فتره ؛ انتهى.


الصفحة التالية
Icon