ولما أقروا قهراً بعد كشف الغطاء وفوات الإيمان بالغيب بما كانوا به يكذبون، تسبب عنه إهانتهم، فلذا قال مستأنفاً :﴿قال﴾ أي الله مسبباً عن اعترافهم حيث لا ينفع، وتركهم في الدنيا حيث كان ينفع ﴿فذوقوا العذاب﴾ أي الذي كنتم به توعدون ﴿بما كنتم تكفرون﴾ أي بسبب دوامكم على ستر ما دلتكم عليه عقولكم من صدق رسولكم، ولا شك أن الكلام - وإن كان على هذه الصورة - فيه نوع إحسان، لأنه أهون من التعذيب مع الإعراض في مقام ﴿اخسؤوا فيها ولا تكلمون﴾ [ المؤمنون : ١٠٨ ] ولذلك كان ذلك آخر المقامات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٢٤﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية الأولى إنكارهم للحشر والنشر والبعث والقيامة بيّن في هذه الآية كيفية حالهم في القيامة، فقال ﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبّهِمْ﴾ واعلم أن جماعة من المشبهة تمسكوا بهذه الآية، وقالوا ظاهر هذه الآية يدل على أن أهل القيامة يقفون عند الله وبالقرب منه، وذلك يدل على كونه تعالى بحيث يحضر في مكان تارة ويغيب عنه تارة أخرى.
واعلم أن هذا خطأ وذلك لأن ظاهر الآية، يدل على كونهم واقفين على الله تعالى، كما يقف أحدنا على الأرض، وذلك يدل على كونه مستعلياً على ذات الله تعالى وأنه بالاتفاق باطل، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه :
التأويل الأول : هو أن يكون المراد ﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى﴾ ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخر.
التأويل الثاني : أن المراد من هذا الوقوف المعرفة، كما يقول الرجل لغيره وقفت على كلامك أي عرفته.
التأويل الثالث : أن يكون المراد أنهم وقفوا لأجل السؤال فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة، من وقوف العبد بين يدي سيده والمقصود منه التعبير عن المقصود بالألفاظ الفصيحة البليغة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٦١ ـ ١٦٢﴾


الصفحة التالية
Icon