فصل


قال الفخر :
المقصود من هذه الآية أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى، أنهم ينكرون القيامة والبعث في الدنيا، ثم بيّن أنهم في الآخرة يقرون به فيكون المعنى أن حالهم في هذا الإنكار سيؤل إلى الإقرار وذلك لأنهم شاهدوا القيامة والثواب والعقاب، قال الله تعالى :﴿أَلَيْسَ هذا بالحق ﴾.
فإن قيل : هذا الكلام يدل على أنه تعالى يقول لهم أليس هذا بالحق ؟ وهو كالمناقض لقوله تعالى :﴿وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله﴾ [ البقرة : ١٧٤ ] والجواب أن يحمل قوله ﴿وَلاَ يُكَلّمُهُمُ﴾ أي لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع، وعلى هذا التقدير يزول التناقض ثم إنه تعالى بيّن أنه إذا قال لهم أليس هذا بالحق ؟ قالوا بلى وربنا المقصود أنهم يعترفون بكونه حقاً مع القسم واليمين.
ثم إنه تعالى يقول لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وخص لفظ الذوق لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في قوة الاحساس وقوله ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي بسبب كفركم.
واعلم أنه تعالى ما ذكر هذا الكلام احتجاجاً على صحة القول بالحشر والنشر لأن ذلك الدليل قد تقدم ذكره في أول السورة في قوله ﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾ [ الأنعام : ٢ ] على ما قررناه وفسرناه، بل المقصود من هذه الآية الردع والزجر عن هذا المذهب والقول. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٦٢﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ﴾ جواب ﴿ لو ﴾ محذوف كما حذف في قوله ﴿ ولو ترى ﴾ أولاً وذلك مجاز عن الحبس والتوبيخ والسؤال كما توقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه وقد تعلق بعض المشبهة بهذه الآية، وقال : ظاهرها يدل على أن الله في حيز ومكان لأن أهل القيامة يقفون عنده وبالقرب منه، وذلك يدل على كونه بحيث يحضر في مكان تارة ويغيب عنه أخرى.


الصفحة التالية
Icon