وقال الآلوسى :
﴿ قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله ﴾ هم الكفار الذين حكيت أحوالهم لكن وضع الموصول موضع الضمير للإيذان بتسبب خسرانهم عما في حيز الصلة من التكذيب بلقاء الله تعالى والاستمرار عليه، والمراد به لقاء ما وعد سبحانه وتعالى على ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم، وصرح بعضهم بتقدير المضاف أي لقاء جزاء بالله تعالى، وصرح آخرون بأن لقاء الله تعالى استعارة تمثيلية عن البعث وما يتبعه.
﴿ حتى إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة ﴾ أي الوقت المخصوص وهو يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان وغلبت على الوقت المعلوم كالنجم للثريا، وسمي ساعة لقلته بالنسبة لما بعده من الخلود أو بسرعة الحساب فيه على الباري عز اسمه.
وفسرها بعضهم هنا بوقت الموت، والغاية المذكورة للتكذيب.
وجوز أن تكون غاية للخسران لكن بالمعنى المتعارف والكلام حينئذٍ على حد قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين ﴾ [ ص : ٧٨ ] أي إنك مذموم مدعو عليك باللعنة إلى ذلك اليوم فإذا جاء اليوم لقيت ما تنسى اللعن معه فكأنه قيل : خسر المكذبون إلى قيام الساعة بأنواع المحن والبلاء فإذا قامت الساعة يقعون فيما ينسون معه هذا الخسران وذلك هو الخسران المبين ﴿ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة وبغتة بالتحريك مثلها، وبغته كمنعه فجأه أي هجم عليه من غير شعور، وانتصابها على أنها مصدر واقع موقع الحال من فاعل ﴿ جَاءتْهُمْ ﴾ أي مباغتة أو من مفعوله أي مبغوتين، وجوز أن تكون منصوبة على أنها مفعول مطلق لجاءتهم على حد رجع القهقرى أو لفعل مقدر من اللفظ أو من غيره.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ قَالُواْ ﴾ جواب ﴿ إِذَا ﴾ ﴿ يَا حَسْرَتَنَا ﴾ نداء للحسرة وهي شدة الندم كأنه قيل : يا حسرتنا تعالى فهذا أوانك، قيل : وهذا التحسر وإن كان يعتريهم عند الموت لكن لما كان الموت من مقدمات الآخرة جعل من جنس الساعة وسمي باسمها، ولذا قال ﷺ :" من مات فقد قامت قيامته " أو جعل مجىء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة، وقال أبو البقاء : التقدير يا حسرة احضري هذا أوانك، وهو نداء مجازي ومعناه تنبيه أنفسهم لتذكير أسباب الحسرة لأن الحسرة نفسها لا تطلب ولا يتأتى إقبالها وإنما المعنى على المبالغة في ذلك حتى كأنهم ذهلوا فنادوها، ومثل ذلك نداء الويل ونحوه ولا يخفى حسنه.
﴿ قَالُواْ ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا ﴾ أي على تفريطنا، فما مصدرية فالتفريط التقصير فيما قدر على فعله، وقال أبو عبيدة : معناه التضييع، وقال ابن بحر : معناه السبق ومنه الفارط للسابق.


الصفحة التالية
Icon