والذين كذّبوا بلقاء الله هم الذين حكي عنهم بقوله :﴿ وقالوا إن هي إلاّ حياتنا الدنيا ﴾ فكان مقتضى الظاهر الإضمار تبعاً لقوله ﴿ ولو ترى إذ وقفوا على النار ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ] وما بعده، بأن يقال : قد خسروا، لكن عُدل إلى الإظهار ليكون الكلام مستقلاً وليبنى عليه ما في الصلة من تفصيل بقوله :﴿ حتّى إذا جاءتهم الساعة بغتة ﴾ الخ.
ولقاء الله هو ظهور آثار رضاه وغضبه دون تأخير ولا إمهال ولا وقاية بأسباب عادية من نظام الحياة الدنيا، فلمّا كان العالم الأخروي وهو ما بعد البعث عالم ظهور الحقائق بآثارها دون موانع، وتلك الحقائق هي مراد الله الأعلى الذي جعله عالم كمال الحقائق، جعل المصير إليه مماثلاً للقاء صاحب الحق بعد الغيبة والاستقلال عنه زماناً طويلاً، فلذلك سمّي البعث ملاقاة الله، ولقاء الله ومصيراً إلى الله، ومجيئاً إليه، في كثير من الآيات والألفاظ النبوية، وإلاّ فإنّ الناس في الدنيا هم في قبضة تصرّف الله لو شاء لقبضهم إليه ولعجّل إليهم جزاءهم.
قال تعالى :﴿ ولو يعجِّل الله للنّاس الشرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ﴾ [ يونس : ١١ ].
ولكنّه لمّا أمهلهم واستدرجهم في هذا العالم الدنيوي ورغّب ورهّب ووعَد وتوعّد كان حال الناس فيه كحال العبيد يأتيهم الأمر من مولاهم الغائب عنهم ويرغّبهم ويحذّرهم، فمنهم من يمتثل ومنهم من يعصي، وهم لا يلقون حينئذٍ جزاء عن طاعة ولا عقاباً عن معصية لأنّه يملي لهم ويؤخّرهم، فإذا طوي هذا العالم وجاءت الحياة الثانية صار الناس في نظام آخر، وهو نظام ظهور الآثار دون ريث، قال تعالى :﴿ ووجدوا ما عملوا حاضراً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، فكانوا كعبيد لقُوا ربّهم بعد أن غابوا وأمهلوا.
فاللقاء استعارة تمثيلية : شبّهت حالة الخلق عند المصير إلى تنفيذ وعد الله ووعيده بحالة العبيد عند حضور سيِّدهم بعد غيبة ليجزيهم على ما فعلوا في مدّة المغيب.