وفي "القاموس" القِرن ( بالكسر ) كفؤك في الشجاعة أو أعم، فلفظه يقتضي بحسب دقيق النظر أنه لا يغلبه إلا قليلاً وإلا لم يكن قرناً ويتناقض أول الكلام وآخره، وادعى الطيبي أن لفظ قد للتقليل، وقد يراد به في بعض المواضع ضده، وهو من باب استعارة أحد الضدين للآخر، والنكتة ههنا تصبير رسول الله ﷺ من أذى قومه وتكذيبهم، يعني من حقك وأنت سيد أولي العزم أن لا تكثر الشكوى من أذى قومك وأن لا يعلم الله تعالى من إظهارك الشكوى إلا قليلاً وأن يكون تهكماً بالمكذبين وتوبيخاً لهم.
ونص بعضهم على أن قد هنا للتقليل على معنى أن ما هم فيه أقل معلوماته تعالى، وضمير ﴿ إنَّهُ ﴾ للشأن وهو اسم إن وخبرها الجملة المفسرة له، والموصول فاعل يحزنك وعائده محذوف أي الذي يقوله، وهو ما حكي عنهم من قولهم :﴿ إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ] أو هو وما يعمه وغيره من هذيانهم وجملة ﴿ أَنَّهُ ﴾ الخ سادة مسد مفعولي ﴿ نَعْلَمَ ﴾.
وقرأ نافع ﴿ لَيَحْزُنُكَ ﴾ من أحزن المنقول من حزن اللازم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾
استئناف ابتدائي قصدت به تسلية الرسول ﷺ وأمره بالصبر، ووعده بالنصر، وتأييسه من إيمان المتغالين في الكفر، ووعده بإيمان فرق منهم بقوله :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى إلى قوله يسمعون ﴾.
وقد تهيّأ المقام لهذا الغرض بعد الفراغ من محاجّة المشركين في إبطال شركهم وإبطال إنكارهم رسالة محمد ﷺ والفراغ من وعيدهم وفضيحة مكابرتهم ابتداء من قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم ﴾ [ الأنعام : ٤ ] إلى هنا.
و﴿ قد ﴾ تحقيق للخبر الفعلي، فهو في تحقيق الجملة الفعلية بمنزلة ( إنّ ) في تحقيق الجملة الاسمية.


الصفحة التالية
Icon