وقال ابن عطية :
قوله عز وجل :﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾
هذا من النمط المتقدم في التسلية أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يقيمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول، فعبر عن ذلك كله ب ﴿ يسمعون ﴾ إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة، وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا سمع، ثم قال تعالى :﴿ والموتى ﴾ يريد الكفار، فعبر، عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور الله تعالى والصمم عن وعي كلماته، قاله مجاهد وقتادة والحسن، و﴿ يبعثهم الله ﴾ يحتمل معنيين قال الحسن معناه " يبعثهم الله " بأن يؤمنوا حين يوقفهم.
قال القاضي أبو محمد : فتجيء الاستعارة في هذا التأويل، في الوجهين في تسميتهم موتى وفي تسمية إيمانهم وهدايتهم بعثاً، والواو على هذا مشركة في العامل عطفت ﴿ الموتى ﴾ على ﴿ الذين ﴾، و﴿ يبعثهم الله ﴾ في موضع الحال، وكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يرشدون حين يسمعون فيؤمنون والكفار حين يرشدهم الله بمشيئته، فلا تتأسف أنت ولا تستعجل ما لم يقدر، وقرأ الحسن " ثم إليه يرجعون " فتناسبت الآية، وقال مجاهد وقتادة :﴿ والموتى ﴾ يريد الكفار، أي هم بمثابة الموتى حين لا يرون هدى ولا يسمعون فيعون، و﴿ يبعثهم الله ﴾ أي : يحشرهم يوم القيامة ﴿ ثم إليه ﴾ أي إلى سطوته وعقابه ﴿ يرجعون ﴾ وقرأت هذه الطائفة يرجعون بياء والواو على هذا عاطفة جملة كلام على جملة، ﴿ الموتى ﴾ مبتدأ و﴿ يبعثهم الله ﴾ خبره، فكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يسمعون فيعون والكفار سيبعثهم الله ويردهم إلى عقابه، فالآية على هذا متضمنة الوعيد للكفار، والعائد على ﴿ الذين ﴾ هو الضمير في ﴿ يسمعون ﴾، والضمير في ﴿ قالوا ﴾ عائد على الكفار. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾