وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ ﴾ أي سماع إصغاء وتفهُّم وإرادة الحق، وهم المؤمنون الذين يقبلون ما يسمعون فينتفعون به ويعملون ؛ قال معناه الحسن ومجاهد، وتمّ الكلام.
ثم قال :﴿ والموتى يَبْعَثُهُمُ الله ﴾ وهم الكفار ؛ عن الحسن ومجاهد ؛ أي هم بمنزلة الموتى في أنهم لا يقبلون ولا يصغون إلى حجة.
وقيل : الموتى كل من مات.
﴿ يَبْعَثُهُمُ الله ﴾ أي للحساب ؛ وعلى الأول بَعْثهِم هِدَايتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
وعن الحسن : هو بعثهم من شِركهم حتى يؤمنوا بك يا محمد يعني عند حضور الموت في حال الإلجاء في الدنيا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ إنما يستجيب الذين يسمعون ﴾ إنما يستجيب للإيمان الذين يسمعون سماع قبول وإصغاء كما قال :﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ ويستجيب بمعنى يجيب.
وفرّق الرماني بين أجاب واستجاب بأن استجاب فيه قبول لما دعي إليه.
قال :﴿ فاستجاب لهم ربهم ﴾ ﴿ فاستجبنا له ونجيناه من الغم ﴾ وليس كذلك أجاب لأنه قد يجيب بالمخالفة.
قال الزمخشري يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع كقوله ﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ وقال ابن عطية هذا من النمط المتقدم في التسلية، أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يفهمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول فعبر عن ذلك كله بيسمعون.
إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة.
وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا استمع ﴿ والموتى يبعثهم الله ﴾ الظاهر أن هذه جملة مستقلة من مبتدأ وخبر، والظاهر أن الموت هنا والبعث حقيقة وذلك إخبار من الله تعالى أن الموتى على العموم من مستجيب وغير مستجيب، يبعثهم الله فيجازيهم على أعمالهم وجاء لفظ الموتى عاماً لإشعار ما قبله بالعموم في قوله ﴿ إنما يستجيب الذين يسمعون ﴾ إذ الحصر يشعر بالقسم الآخر وهو أن من لا يسمع سماع قبول، لا يستجيب للإيمان وهم الكفار.
وصار في الإخبار عن الجميع بالبعث والرجوع إلى جزاء الله تعالى، تهديد ووعيد شديد لمن لم يستحب وتظافرت أقوال المفسرين أن قوله والموتى يراد به الكفار.
سموا بالموتى كما سموا بالصمِّ والبكم والعمي وتشبيه الكافر بالميت من حيث إنّ الميت جسده خالٍ عن الروح، فيظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات.
وأصلح أحواله دفنه تحت التراب.


الصفحة التالية
Icon