وقال ابن عاشور :
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾
تعليل لما أفاده قوله :﴿ وإنْ كان كَبُر عليك إعراضهم إلى قوله فلا تكوننّ من الجاهلين ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] من تأييس من ولوج الدعوة إلى أنفسهم، أي لا يستجيب الذين يسمعون دون هؤلاء الذين حرمهم فائدة السمع وفهم المسموع.
ومفهوم الحصر مؤذن بإعمال منطوقه الذي يؤمىء إلى إرجاء بعد تأييس بأنّ الله جعل لقوم آخرين قلوباً يفقهون بها وآذاناً يسمعون بها فأولئك يستجيبون.
وقوله :﴿ يستجيب ﴾ بمعنى يجيب، فالسين والتاء زائدان للتأكيد ؛ وقد تقدّم الكلام على هذا الفعل عند قوله تعالى :﴿ فاستجاب لهم ربّهم ﴾ في سورة [ آل عمران : ١٩٥ ].
وحذف متعلّق يستجيب } لظهوره من المقام لأنّ المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وتصديق الرسول.
ومعنى ﴿ يسمعون ﴾، أنّهم يفقهون ما يلقى إليهم من الإرشاد لأنّ الضالّين كمن لا يسمع.
فالمقصود سمع خاصّ وهو سمع الاعتبار.
أمّا قوله :﴿ والموتى يبعثهم الله ﴾ فالوجه أنّه مقابل لِ ﴿ الذين يسمعون ﴾.
ولذلك حسن عطف هذه الجملة على جملة :﴿ إنما يستجيب الذين يسمعون ﴾.
فمعنى الكلام : وأمّا المعرضون عنك فهم مثل الموتى فلا يستجيبون، كقوله :﴿ إنّك لا تسمع الموتى ﴾ [ النمل : ٨٠ ].
فحذف من الكلام ما دلّ عليه السياق، فإنّ الذي لا يسمع قد يكون فقدان سمعه من علّة كالصمم، وقد يكون من عدم الحياة، كما قال عبد الرحمان بن الحكم الثقفي :
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً
ولكن لا حياة لمنْ تنادي...
فتضمّن عطف ﴿ والموتى يبعثهم الله ﴾ تعريضاً بأنّ هؤلاء كالأموات لا ترجى منهم استجابة.
وتخلّص إلى وعيدهم بأنّه يبعثهم بعد موتهم، أي لا يرجى منهم رجوع إلى الحقّ إلى أن يبعثوا، وحينئذٍ يلاقون جزاء كفرهم.
﴿ والموتى ﴾ استعارة لمن لا ينتفعون بعقولهم ومواهبهم في أهمّ الأشياء، وهو ما يُرضي الله تعالى.


الصفحة التالية