ثم قال : فاعلم يا أخي إنك إنما تعاشر البهائم والسباع، فبالغ في الحذار والاحتراز، فهذا جملة ما قيل في هذا الموضع. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٧٥ ـ ١٧٧﴾
فصل
قال الفخر :
ذهب القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله تعالى موصوفة بالمعارف الحقة وبالأخلاق الطاهرة، فإنها بعد موتها تنقل إلى أبدان الملوك، وربما قالوا إنها تنقل إلى مخالطة عالم الملائكة، وأما إن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل إلى أبدان الحيوانات، وكلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة واستحقاقاً للعذاب نقلت إلى بدن حيوان أخس وأكثر شقاء وتعباً، واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا : صريح هذه الآية يدل على أنه لا دابة ولا طائر إلا وهي أمثالنا، ولفظ المماثلة يقتضي حصول المساواة في جميع الصفات الذاتية أما الصفات العرضية المفارقة، فالمساواة فيها غير معتبرة في حصول المماثلة.
ثم إن القائلين بهذا القول زادوا عليه، وقالوا : قد ثبت بهذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها وعارفة بما يحصل لها من السعادة والشقاوة، وأن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولاً من جنسها، واحتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب والطيور أمم.
ثم إنه تعالى قال :﴿وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [ فاطر : ٢٤ ] وذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولاً أرسله الله إليها.
ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد، وقصة النمل، وسائر القصص المذكورة في القرآن.
واعلم أن القول بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول، وأما هذه الآية فقد ذكرنا ما يكفي في صدق حصول المماثلة في بعض الأمور المذكورة، فلا حاجة إلى إثبات ما ذكره أهل التناسخ. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٧٧﴾