وقال الآلوسى :
قرأ نافع والكسائي والأعمش عن أبي بكر ﴿ لاَ يُكَذّبُونَكَ ﴾ من الإكذاب وهي قراءة علي كرم الله تعالى وجهه، ورويت أيضاً عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، فقال الجمهور : كلاهما بمعنى كأكثر وكثر وأنزل ونزل ؛ وقيل : معنى أكذبته وجدته كاذباً كأحمدته بمعنى وجدته محموداً، ونقل أحمد بن يحيى عن الكسائي أن العرب تقول.
كذبت بالتشديد إذا نسبت الكذب إليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دونه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقرأ نافع، والكسائي، وأبو جعفر ﴿ لا يكْذبونك ﴾، بسكون الكاف وتخفيف الذال.
وقرأه الجمهور بفتح الكاف وتشديد الذال.
وقد قال بعض أئمة اللغة إنّ أكذب وكذّب بمعنى واحد، أي نسبه إلى الكذب.
وقال بعضهم : أكذبه، وجده كاذباً، كما يقال : أحمدَه، وجده محموداً.
وأمّا كذّب بالتشديد فهو لنسبة المفعول إلى الكذب.
وعن الكسائي : أنّ أكذبه هو بمعنى كَذّب ما جاء به ولم ينْسُب المفعول إلى الكذب، وأنّ كذّبه هو نسبه إلى الكذب.
وهو معنى ما نقل عن الزجّاج معنى كذبتهُ، قلت له : كذبتَ، ومعنى أكذبتُه، أريتُه أنّ ما أتى به كَذب. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
ظاهر هذه الآية يقتضي أنهم لا يكذبون محمداً ﷺ ولكنهم يجحدون بآيات الله واختلفوا في كيفية الجمع بين هذين الأمرين على وجوه :
الوجه الأول : أن القوم ما كانوا يكذبونه في السر ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية ويجحدون القرآن والنبوة.
ثم ذكروا لتصحيح هذا الوجه روايات : إحداها : أن الحرث بن عامر من قريش قال يا محمد والله ما كذبتنا قط ولكنا إن اتبعناك نتخطف من أرضنا فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب.
وثانيها : روي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا، فقال له والله إن محمداً لصادق وما كذب قط ؟ ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش فنزلت هذه الآية.
إذا عرفت هذا فنقول : معنى الآية على هذا التقدير أن القوم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون نبوتك بألسنتهم وظاهر قولهم وهذا غير مستبعد ونظيره قوله تعالى في قصة موسى ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾ [ النمل : ١٤ ].


الصفحة التالية
Icon