الوجه الثاني : في تأويل الآية أنهم لا يقولون إنك أنت كذاب لأنهم جربوك الدهر الطويل والزمان المديد وما وجدوا منك كذباً ألبتة وسموك بالأمين فلا يقولون فيك إنك كاذب ولكن جحدوا صحة نبوتك ورسالتك إما لأنهم اعتقدوا أن محمداً عرض له نوع خبل ونقصان فلأجله تخيل من نفسه كونه رسولاً من عند الله، وبهذا التقدير : لا ينسبونه إلى الكذب أو لأنهم قالوا : إنه ما كذب في سائر الأمور، بل هو أمين في كلها إلا في هذا الوجه الواحد.
الوجه الثالث : في التأويل : أنه لما ظهرت المعجزات القاهرة على وفق دعواه، ثم إن القوم أصروا على التكذيب فالله تعالى قال له إن القوم ما كذبوك، وإنما كذبوني، ونظيره أن رجلاً إذا أهان عبداً لرجل آخر، فقال هذا الآخر : أيها العبد إنه ما أهانك، وإنما أهانني : وليس المقصود منه نفي الإهانة عنه بل المقصود تعظيم الأمر وتفخيم الشأن.
وتقريره : أن إهانة ذلك العبد جارية مجرى إهانته، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ].
والوجه الرابع : في التأويل وهو كلام خطر بالبال، هو أن يقال المراد من قوله ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ﴾ أي لا يخصونك بهذا التكذيب بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقاً، وهو المراد من قوله ﴿ولكن الظالمين بئايات الله يَجْحَدُونَ﴾ والمراد أنهم يقولون في كل معجزة إنها سحر وينكرون دلالة المعجزة على الصدق على الإطلاق فكان التقدير : إنهم لا يكذبونك على التعيين بل القوم يكذبون جميع الأنبياء والرسل، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٦٩﴾


الصفحة التالية
Icon