وقال ابن عاشور :
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾
عطف على جملة :﴿ قد نعلم إنّه لَيُحْزنك الذي يقولون ﴾ [ الأنعام : ٣٣ ]، فإنّ رسول الله ﷺ كان يحزنه ما يقولونه فيه من التكذيب به وبالقرآن حَزَناً على جهل قومه بقدر النصيحة وإنكارهم فضيلة صاحبها، وحزناً من جرّاء الأسف عليهم من دوام ضلالهم شفقة عليهم، وقد سلاّه الله تعالى عن الحزن الأول بقوله ﴿ فإنّهم لا يكذبونك ﴾ [ الأنعام : ٣٣ ] وسلاّه عن الثاني بقوله :﴿ وإن كانَ كَبُر عليك إعراضهم ﴾ الآية.
و﴿ كبُر ﴾ ككرم، كِبراً كعنب : عظمت جثّته.
ومعنى ﴿ كَبُر ﴾ هنا شقّ عليك.
وأصله عظم الجثّة، ثم استعمل مجازاً في الأمور العظيمة الثقيلة لأنّ عظم الجثّة يستلزم الثقل، ثم استعمل مجازاً في معنى ( شقّ ) لأنّ الثقيل يشق جمله.
فهو مجاز مرسل بلزومين.
وجيء في هذا الشرط بحرف ( إنْ ) الذي يكثر وروده في الشرط الذي لا يظنّ حصوله للإشارة إلى أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بمظنّة ذلك ولكنّه على سبيل الفرض.
وزيدت ( كان ) بعد ( إنْ ) الشرطية بينها وبين ما هو فعل الشرط في المعنى ليبقى فعل الشرط على معنى المضي فلا تُخلّصه ( إن ) الشرطيّةُ إلى الاستقبال، كما هو شأن أفعال الشروط بعد ( إن )، فإنّ ( كان ) لقوّة دلالته على المضي لا تقلبه أداة الشرط إلى الاستقبال.
والإعراض المعرّف بالإضافة هو الذي مضى ذكره في قوله تعالى :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين ﴾ [ الأنعام : ٤ ].
وهو حالة أخرى غير حالة التكذيب، وكلتاهما من أسباب استمرار كفرهم.
وقوله :﴿ فإن استطعت ﴾ جوابُ ﴿ إن كان كبر ﴾، وهو شرط ثان وقع جواباً للشرط الأول.
والاستطاعة : القدرة.
والسين والتاء فيها للمبالغة في طاع، أي انقاد.
والابتغاء : الطلب.


الصفحة التالية
Icon