إذا عرفت الالجاء فنقول : إنه تعالى إنما ترك فعل هذا الالجاء لأن ذلك يزيل تكليفهم فيكون ما يقع منهم كأن لم يقع، وإنما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة إلى الثواب، وذلك لا يكون إلا اختياراً.
والجواب : أنه تعالى أراد منهم الاقدام على الإيمان حال كون الداعي إلى الإيمان وإلى الكفر على السوية أو حال حصول هذا الرجحان.
والأول : تكليف ما لا يطاق، لأن الأمر بتحصيل الرجحان حال حصول الاستواء، تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال، وإن كان الثاني : فالطرف الراجح يكون واجب الوقوع، والطرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع، وكل هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة والاختيار، فسقط قولهم بالكلية. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٧١ ـ ١٧٢﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَلَوْ شَاء الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى ﴾ أي لو شاء الله تعالى جمعهم على ما أنتم عليه من الهدى لجمعهم عليه بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم ولكن لم يشأ ذلك سبحانه لسوء اختيارهم حسبما علمه الله تعالى منهم في أزل الآزال، وقالت المعتزلة : المراد لو شاء سبحانه جمعهم على الهدى لفعل بأن يأتيهم بآية ملجئة إليه لكنه جل شأنه لم يفعل ذلك لخروجه عن الحكمة، والحق ما عليه أهل السنة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾ شرط امتناعي دلّ على أنّ الله لم يشأ ذلك، أي لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم عليه ؛ فمفعول المشيئة محذوف لقصد البيان بعد الإبهام على الطريقة المسلوكة في فعل المشيئة إذا كان تعلّقه بمفعوله غير غريب وكان شرطاً لإحدى أدوات الشرط كما هنا، وكقوله :﴿ إن يشأ يُذهبكم ﴾ [ النساء : ١٣٣ ].
ومعنى :﴿ لجمعهم على الهدى ﴾ لهداهم أجمعين.


الصفحة التالية
Icon