فوقع تفنّن في أسلوب التعبير فصار تركيباً خاصِّيّاً عدل به على التركيب المشهور في نحو قوله تعالى :﴿ فلو شاء لهداكم أجمعين ﴾ [ الأنعام : ١٤٩ ] للإشارة إلى تمييز الذين آمنوا من أهل مكّة على من بقي فيها من المشركين، أي لو شاء لجمعهم مع المؤمنين على ما هدى إليه المؤمنين من قومهم.
والمعنى : لو شاء الله أن يخلقهم بعقول قابلة للحقّ لخلقهم بها فلَقَبلُوا الهدى، ولكنّه خلقهم على ما وصف في قوله :﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ] الآية، كما تقدّم بيانه.
وقد قال تعالى :﴿ ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ﴾[ هود : ١١٨ ]، وبذلك تعلم أنّ هذه مشيئة كليّة تكوينيّة، فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى في آخر هذه السورة [ ١٤٨ ] ﴿ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ﴾ الآية.
فهذا من المشيئة المتعلّقة بالخلق والتكوين لا من المشيئة المتعلّقة بالأمر والتشريع.
وبينهما بَوْن، سقط في مهواته من لم يقدّر له صون. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى في آخر الآية ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين﴾ نهي له عن هذه الحالة، وهذا النهي لا يقتضي إقدامه على مثل هذه الحالة كما أن قوله ﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ [ الأحزاب : ٤٨ ] لا يدل على أنه ﷺ أطاعهم وقبل دينهم، والمقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تحسرك على تكذيبهم، ولا يجوز أن تجزع من إعراضهم عنك فإنك لو فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل، والمقصود من تغليظ الخطاب التبعيد والزجر له عن مثل هذه الحالة. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٧٢﴾


الصفحة التالية
Icon