وقال الطبرى :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ : قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بي الأوثانَ والأصنامَ، المكذبين بك : أرأيتم، أيها المشركون بالله غيرَه، إن أصمَّكم الله فذهب بأسماعكم، وأعماكم فذهب بأبصاركم، وختم على قلوبكم فطبع عليها، حتى لا تفقهوا قولا ولا تبصروا حجة، ولا تفهموا مفهومًا، أيّ إله غير الله الذي له عبادة كل عابد " يأتيكم به "، يقول : يرد عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام، فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم، وعلى ردّه عليكم إذا شاء ؟
وهذا من الله تعالى ذكره، تعليم نبيَّه الحجة على المشركين به، يقول له : قل لهم : إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا، وإنما يستحق العبادةَ عليكم من كان بيده الضر والنفع، والقبض والبسط، القادرُ على كل ما أراد، لا العاجز الذي لا يقدر على شيء.
ثم قال تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ :" انظر كيف نصرف الآيات "، يقول : انظر كيف نتابع عليهم الحجج، ونضرب لهم الأمثال والعبر، ليعتبروا ويذكروا فينيبوا، " ثم هم يصدفون "، يقول : ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج، وتنبيهنا إياهم بالعبر، عن الادّكار والاعتبار يُعْرضون.
يقال منه :" صدف فلانٌ عني بوجهه، فهو يصدِفُ صُدوفًا وصَدفًا "، أي : عدل وأعرض، ومنه قول ابن الرقاع :
إِذَا ذَكَرْنَ حَدِيثًا قُلْنَ أَحْسَنَهُ، | وَهُنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ |
يُرْوِي قَوامِحَ قَبْلَ اللَّيْلِ صَادِفَةً... أَشْبَاهَ جِنّ، عَلَيْهَا الرَّيْطُ وَالأزُرُ
فإن قال قائل : وكيف قيل :" من إله غير الله يأتيكم به "، فوحّد " الهاء "، وقد مضى الذكر قبلُ بالجمع فقال :" أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأنصاركم وختم على قلوبكم " ؟