وهو استفهام مستعمل في التقرير يقصد منه إلجاء السامعين إلى النظر في جوابه فيوقنوا أنّه لا إله غير الله يأتيهم بذلك لأنّه الخالق للسمع والأبصار والعقول فإنّهم لا ينكرون أنّ الأصنام لا تخلق، ولذلك قال لهم القرآن :﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تَذّكَّرون ﴾ [ النحل : ١٧ ].
و﴿ مَنْ ﴾ في موضع رفع على الابتداء، و﴿ إله ﴾ خَبَر ﴿ مَنْ ﴾، و﴿ غيرُ الله ﴾ صفة ﴿ إله ﴾، و﴿ يأتيكم ﴾ جملة في محلّ الصفة أيضاً، والمستفهم عنه هو إله، أي ليس إله غير الله يأتي بذلك، فدلّ على الوحدانية.
ومعنى ﴿ يأتيكم به ﴾ يُرجعه، فإنّ أصل أتى به، جاء به.
ولمّا كان الشيء المسلوب إذا استنقذه منقذ يأتي به إلى مقرّه أطلق الإتيان بالشيء على إرجاعه مجازاً أو كناية.
والضمير المجرور بالباء عائد إلى السمع والأبصار والقلوب، على تأويلها بالمذكور فلذلك لم يقل بها.
وهذا استعمال قليل في الضمير، ولكنَّه فصيح.
وقد تقدّم في تفسير قوله تعالى :﴿ إنّ الذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به ﴾ في سورة [ المائدة : ٣٦ ]، وعند قوله :﴿ وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ﴾ في سورة [ النساء : ٤ ]، وإيثاره هنا على أن يقال : يأتيكم بها، لدفع توهّم عود الضمير إلى خصوص القلوب.
والكلام جار مجرى التهديد والتخويف، اختير فيه التهديد بانتزاع سمعهم وأبصارهم وسلْب الإدراك من قلوبهم لأنَّهم لم يشكروا نعمة هذه المواهب بل عدموا الانتفاع بها، كما أشار إليه قوله آنفاً ﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ].
فكان ذلك تنبيهاً لهم على عدم إجداء هذه المواهب عليهم مع صلاحيتها للانتفاع، وناسب هنا أن يهدّدوا بزوالها بالكليّة إن داموا على تعطيل الانتفاع بها فيما أمر به خالقها.


الصفحة التالية
Icon