وقوله ﴿ انْظُرْ ﴾ تنزيل للأمر المعقول منزلة المشاهد، وهو تصريف الآيات مع الإعراض عنها حتّى أنّ النّاظر يستطيع أن يراها، فأمّا الأمر فهو مستعمل في التعجيب من حال إعراضهم.
والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً تتنزّل منزلة التذييل للآيات السابقة، فإنّه لمَّا غمرهم بالأدلّة على الوحدانية وصدْق الرسول، وأبطل شبههم عقّب ذلك كلّه بالتعجيب من قوّة الأدلّة مع استمرار الإعراض والمكابرة، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى :﴿ انظر كيف يفترون على الله الكذب ﴾ في سورة [ النساء : ٥٠ ].
وهذا تذكير لهم بأنّ الله هو خالق أسماعهم وأبصارهم وألبابهم فما كان غيره جديراً بأن يعبدون.
وتصريف الآيات اختلاف أنواعها بأن تأتي مرة بحجج من مشاهدات في السماوات والأرض، وأخرى بحجج من دلائل في نفوس الناس، ومرّة بحجج من أحوال الأمم الخالية التي أنشأها الله، فالآيات هنا هي دلائل الوحدانية، فهي متَّحدة في الغاية مختلفة الأساليب متفاوتة في الاقتراب من تناول الأفهام عامّها وخاصّها، وهي أيضاً مختلفة في تركيب دلائلها من جهتي المقدّمات العقلية وغيرها، ومن جهتي الترغيب والترهيب ومن التنبيه والتذكير، بحيث تستوعب الإحاطة بالأفهام على اختلاف مدارك العقول.
والتعريف في الآيات } للعهد، وهي المعهودة في هذه السورة ابتداء من قوله :﴿ الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ﴾ [ الأنعام : ١ ].
و﴿ ثم ﴾ للترتيب الرتبي لأنّها عطفت جملة على جملة، فهي تؤذن بأنّ الجملة المعطوفة أدخل في الغرض المسوق له الكلام، وهو هنا التعجيب من قوة الأدلّة وأنّ استمرار الإعراض والمكابرة مع ذلك أجدر بالتعجيب به.
وجيء بالمسند في جملة ﴿ هم يصدفون ﴾ فعلاً مضارعاً للدلالة على تجدّد الإعراض منهم.
وتقديم المسند إليه على الخبر الفِعْلِيّ لتَقَوّي الحُكم.
و﴿ يصدفون ﴾ يعرضون إعراضاً شديداً.