وفي هذه الآيات تصوير وعرض لنموذج متكرر في أمم شتى.. أمم جاءتهم رسلهم. فكذبوا. فأخذهم الله بالبأساء والضراء. في أموالهم وفي أنفسهم. في أحوالهم وأوضاعهم.. البأساء والضراء التي لا تبلغ أن تكون " عذاب الله " الذي تحدثت عنه الآية السابقة، وهو عذاب التدمير والاستئصال..
وقد ذكر القرآن نموذجاً محدداً من هذه الأمم، ومن البأساء والضراء التي أخذها بها.
. في قصة فرعون وملئه :﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. فإذا جاءتهم الحسنة قالوا : لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه. ألا إنما طائرهم عند الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا : مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، آيات مفصلات، فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ﴾ وهو نموذج من نماذج كثيرة تشير إليها الآية..
لقد أخذهم الله بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم ؛ وينقبوا في ضمائرهم وفي واقعهم، لعلهم تحت وطأة الشدة يتضرعون إلى الله، ويتذللون له، وينزلون عن عنادهم واستكبارهم، ويدعون الله أن يرفع عنهم البلاء بقلوب مخلصة، فيرفع الله عنهم البلاء، ويفتح لهم أبواب الرحمة.. ولكنهم لم يفعلوا ما كان حرياً أن يفعلوا. لم يلجأوا إلى الله، ولم يرجعوا عن عنادهم، ولم ترد إليهم الشدة وعيهم، ولم تفتح بصيرتهم، ولم تلين قلوبهم. وكان الشيطان من ورائهم يزين لهم ما هم فيه من الضلال والعناد :
﴿ ولكن قست قلوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ﴾..


الصفحة التالية
Icon