وقال الآلوسى :
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾
نعم التقديم في قوله تعالى :﴿ بَلْ إياه تَدْعُونَ ﴾ للتخصيص أي بل تخصونه سبحانه بالدعاء وليس لرعاية الفواصل، والتخصيص مستفاد مما بعد وهو عطف على جملة منفية تفهم من الكلام السابق كأنه قيل : لا غير الله تدعون بل إياه تدعون، وجعله في "الكشف" عطفاً على ﴿ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤ ] وأورد الزمخشري على كون ﴿ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ ﴾ متعلق الاستخبار أن قوله سبحانه :﴿ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ ﴾ أي ما تدعونه إلى كشفه مع قوله تعالى :﴿ أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة ﴾ [ الأنعام : ٤٠ ] يأباه فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين.
وأجاب بأنه قد اشترط في "الكشف" المشيئة بقوله جل شأنه :﴿ إِن شَاء ﴾ وهو عز وجل لا يشاء كشف هاتيك الفوارع عنهم، وخص الايراد بذلك الوجه على ما في "الكشف" لأن الشرطين فيه لما كانا متعلقين بقوله سبحانه :﴿ أَغَيْرَ ﴾ [ الأنعام : ٤٠ ] الخ وكان ﴿ بَلْ إياه ﴾ الخ عطفاً عليه ضراباً عنه والمعطوف في حكم المعطوف عليه وجب أن يكونا متعلقين به أيضاً.
ولما كان الكشف مستعقب الدعاء مستفاداً عنه وجب أن يكونا متعلقين به أيضاً فجاء سؤال أن قوارع الساعة لا تكشف.
وأما في الوجه الآخر فلأن ﴿ أَغَيْرَ ﴾ الخ لما كان كلاماً مستقلاً لم يتعلق به الشرطان لفظاً بل جاز أن يقدرا أو هو الظاهر إن ساعد المعنى، وأن يقدر واحد منهما حسب استدعاء المقام وذلك أنه سبحانه بكتهم بما كانوا عليه من اختصاصهم إياه تعالى بالدعاء عند الكرب ألا ترى إلى قوله جل شأنه :﴿ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ﴾ [ النحل : ٥٣ ] فلا مانع من ذكر أمرين والتقريع على أحدهما دون الآخر لا سيما عند اختصاصه بالتقريع انتهى.
وربما يقال : إن كشف القوارع الدنيوية والأخروية بدعاء المؤمن أو المشرك بل قبول الدعاء مطلقاً مشروط بالمشيئة وبذلك تقيد آية ﴿ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ] لكن انتفاء المشيئة متحقق في بعض الصور كما في قبول دعاء الكفار بكشف قوارع الساعة وما يلقونه من سوء الجزاء على كفرهم وكشف بعض الأهوال عنهم ككرب طول الوقوف حين يشفع ﷺ فيشفع في الفصل بين الخلائق يومئذٍ ليس من باب استجابة دعائهم في شيء.