فصل


قال الشيخ سيد قطب :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١) ﴾
هنا - في هذه الموجة - يواجه السياق القرآني فطرة المشركين ببأس الله. بل يواجههم بفطرتهم ذاتها حين تواجه بأس الله.. حين تتعرى من الركام في مواجهة الهول، وحين يهزها الهول فيتساقط عنها ذلك الركام! وتنسى حكاية الآلهة الزائفة ؛ وتتجه من فورها إلى ربها الذي تعرفه في قرارتها تسأله وحده الخلاص والنجاة!
ثم يأخذ بأيديهم ليوقفهم على مصارع الغابرين من أسلافهم، وفي الطريق يريهم كيف تجري سنة الله، وكيف يعمل قدر الله. ويكشف لأبصارهم وبصائرهم عن استدراج الله لهم، بعد تكذيبهم برسل الله، وكيف قدم لهم الابتلاء بعد الابتلاء - الابتلاء بالبأساء والضراء، ثم الابتلاء بالرخاء والنعماء - وأتاح لهم الفرصة بعد الفرصة، لينتبهوا من الغفلة، حتى إذا استنفدوا الفرص كلها، وغرتهم النعمة بعد أن لم توقظهم الشدة، جرى قدر الله، وفق سنته الجارية وجاءهم العذاب بغتة :﴿ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ﴾.
وما يكاد هذا المشهد الذي يهز القلوب هزاً يتوارى، حتى يجيء في أعقابه مشهد آخر وهم يتعرضون لبأس الله أيضاً، فيأخذ سمعهم وأبصارهم، ويختم على قلوبهم، ثم لا يجدون إلهاً غير الله يرد عليهم سمعهم وأبصارهم وإدراكهم.


الصفحة التالية
Icon