فصل
قال الفخر :
﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾ معناه نفي التضرع.
والتقدير فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا.
وذكر كلمة ( لولا ) يفيد أنه ما كان لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوتهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٨٥﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ﴾
"لولا" تحضيض، وهي التي تلي الفعل بمعنى هَلاَّ ؛ وهذا عِتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم أنهم لم يتَضرَّعوا حين نزول العذاب.
ويجوز أن يكونوا تضرّعوا تضرّع من لم يُخلص، أو تَضرعوا حين لاَبَسهم العذابُ، والتضرع على هذه الوجوه غير نافع.
والدعاء مأمور به حال الرَّخاء والشّدّة ؛ قال الله تعالى :﴿ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] وقال :﴿ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ أي دعائي ﴿ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] وهذا وعيد شديد.
﴿ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي صَلُبت وغَلُظت ؛ وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية، نسأل الله العافية.
﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ﴾ أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال أبو السعود :
﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ﴾ أي فلم يتضرعوا حينئذ مع تحقق ما يستدعيه ﴿ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ استدراكٌ عما قبله أي فلم يتضرعوا إليه تعالى برقةِ القلب والخضوع، مع تحقق ما يدعوهم إليه، ولكن ظهر منهم نقيضُه حيث قستْ قلوبُهم أي استمرتْ على ما هي عليه من القساوة أو ازدادَتْ قساوةً كقولك : لم يُكرِمْني إذ جئتُه ولكن أهانني ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ﴾ من الكفر والمعاصي فلم يُخْطِروا ببالهم أنّ ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم إلا لأجله وقيل : الاستدراك لبيان أنه لم يكن لهم في ترك التضرُّع عذرٌ سوى قسوةِ قلوبهم والإعجابِ بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾