وهذا كما حكى الله عنهم ﴿ وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ [ الزخرف : ٣١ ].
وهذه شنشنة معروفة من المستكبرين والطغاة.
وقد حدث بالمدينة مثل هذا.
روى البخاري أنّ الأقرع بن حابس جاء إلى رسول الله ﷺ فقال : إنّما بايعَك سُرّاقُ الحجيج مِنْ أسْلَمَ وغِفار ومُزَيْنَة وجُهَيْنَة فقال له رسول الله : أرأيْتَ إنْ كانت أسْلَمُ وغِفَارُ ومزينةُ وجهينةُ خيراً من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفانُ أخابوا وخسروا ( أي أخاب بنو تميم ومن عُطف عليهم ) فقال : نعم قال : فَوالذي نفسي بيده إنّهم لَخير منهم.
وفي الآية معنى آخر، وهو أن يكون القول مضمراً في النفس، وضميرُ ﴿ ليقولوا ﴾ عائداً إلى المؤمنين الفقراء، فيكونوا هم البعض المفتونين، ويكون البعض المجرور بالباء صادقاً على أهل النعمة من المشركين، وتكون إشارة ﴿ هؤلاء ﴾ راجعة إلى عظماء المشركين ويكون المراد بالمَنّ إعطاء المال وحُسْن حال العيش، ويكون الاستفهام مستعملاً في التحيّر على سبيل الكناية، والإشارةُ إلى المشركين معتبر فيها ما عرفوا به من الإشراك وسوء الاعتقاد في الله.
والمعنى : وكذلك الفتوننِ الواقع لِعظماء المشركين، وهو فتون الإعجاب والكبرياء حين ترفّعوا عن الدخول فيما دخل فيه الضعفاء والعبيد من تصديق محمد ﷺ وصحبته استكباراً عن مساواتهم، كذلك كان فتون بعض آخر وهم بعض المؤمنين حين يشاهدون طيب عيش عظماء المشركين في الدنيا مع إشراكهم بربِّهم فيعجبون كيف منّ الله بالرزق الواسع على من يكفرون به ولم يمُنّ بذلك على أوليائه وهم أولى بنعمة ربِّهم.
وقد أعرض القرآن عن التصريح بفساد هذا الخاطر النفساني اكتفاء بأنَّه سمَّاه فتنة، فعلم أنّه خاطر غير حقّ، وبأنّ قوله :﴿ أليس الله بأعلم بالشاكرين ﴾ مشير إلى إبطال هذه الشبهة.