" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
" الكاف " في مَحَلِّ نَصبٍ على أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والتقدير : ومثل ذلك الفُتُون المتقدم الذي فُهِمَ من سياق أخبار الأمم الماضية فتنَّا بعضَ هذه الأمَّةِ ببعْض، فالإشَارَةُ بذلك إلى الفُتُونِ المَدْلُولِ عليه بقوله :" فَتَنَّا "، ولذلك قال الزمخشري : ومثل ذلك الفتن العظيم فتن بعض الناسِ ببعضٍ فجعل الإشارة لِمصدَرِ فَتَنَّا.
وانظر كيف لم يَتَلَّفَظْ هو بإسناد الفِتْنَةِ إلى اللَّهِ - تعالى - في كلامِهِ، وإن ان البارئ - تعالى قد أسْنَدَها، بل قال : فتن بعض الناس فَبَناهُ للمفعُول على قَاعِدةِ المعتزلة.
وجعل ابن عطية الإشارة إلى طلب الطَّرْدِ، فإن قال بعد كلام يتعلٌّق بالتفسير :" والإشارة بذلك إلى ما ذُكِرَ من طلبهِمْ أن يطرد الضَّعفَةَ ".
قال أبُو حيَّان : ولا ينتظم هذا التَّشْبيه ؛ إذ يصير التقدير : مثل طلب الطرد فَتَنَّا بعضهم ببعض والمَتَبَادَرُ إلى الذَّهْنِ من قولك :" ضربتُ مثل ذلك " المُمَاثَلَةُ في الضرب، أي : مثل ذلك الضرب لا أن تَقَعَ المُمَاثَلَةُ في غير الضَّربِ، وقد تقدَّم مِرَاراً أن سيبويه يجعل مثل ذلك حالاً من ضير المَصْدَرِ المقدر.
قوله :" لِيَقُولُوا " في هذه " اللام " وجهان :
أظهرهما :- وعليه أكثر المعربين والمُفسِّرين - أنها لام " كي "، والتقدير : ومثل ذلك الفُتُون فَتَنَّا ليقولوا هذه المقالة ابْتِلاءً مَنَّا وامْتِحَاناً.
والثاني : أنها " لام " الصَّيْرُورَةِ أي : العاقبة كقوله :[ الوافر ]
٢١٨١ - لِدثوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ.......
﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً ﴾ [ القصص : ٨ ]، ويكون قولهم " أهُؤلاء " إلى آخره صادراً على سبيل الاسْتِخْفَافِ.
قوله :" أهَؤلاءِ " يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب المَحَلِّ على الاشْتَغَالِ بفعلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ الفعل الظاهر، العاملُ في ضميره بِوَساطَةِ " على "، ويكون المفسِّر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، والتقدير : أفَضَّلَ الله هؤلاء مَنَّ عليهم، أو اختار هؤلاء مَنَّ عليهم، ولا مَحَلِّ لقوله :" مَنَّ اللَّهُ عليهم " لكونها مُفَسّرة، وإنِّما رجَّح هنا إضمار الفعل ؛ لأنه وقع بد أداةِ يغلبُ إيلاءُ الفعلِ لها.