وقوله :﴿ أنَّه من عمل منكم سوءاً بجهالة ﴾ قرأه نافع، وابن عامر، وعاصم، ويعقوب بفتح الهمزة على أنَّه بدل من ﴿ الرحمة ﴾ بدلُ اشتمال، لأنّ الرحمة العامَّة تشتمل على غفران ذنب من عمل ذنباً ثم تاب وأصلح.
وقرأه الباقون بكسر الهمزة على أن يكون استئنافاً بيانياً لجواب سؤال متوقّع عن مَبلغ الرحمة.
( ومَنْ ) شرطية، وهي أدلّ على التعميم من الموصولة.
والباء في قوله :﴿ بجهالة ﴾ للملابسة، أي ملتبساً بجهالة.
والمجرور في موضع الحال من ضمير ﴿ عَمل ﴾.
والجهالة تطلق على انتفاء العلم بشيء مَّا.
وتطلق على ما يقابل الحلم، وقد تقدّم في قوله تعالى :﴿ إنَّما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ﴾ في سورة [ النساء : ١٧ ].
والمناسب هنا هو المعنى الثاني، أي من عمل سوءاً عن حماقة من نفسه وسفاهة، لأنّ المؤمن لا يأتي السيّئات إلاّ عن غلبة هواه رُشدَه ونُهاه.
وهذا الوجه هو المناسب لتحقيق معنى الرحمة.
وأمَّا حمل الجهالة على معنى عدم العلم بناء على أنّ الجاهل بالذنب غير مؤاخذ، فلا قوة لتفريع قوله : ثم تاب من بعده وأصلح } عليه، إلاّ إذا أريد ثم تفطَّن إلى أنّه عمل سوءاً.
والضمير في قوله :﴿ مِنْ بعده ﴾ عائد إلى ﴿ سوءاً ﴾ أي بعد السوء، أي بعد عمله.
ولك أن تجعله عائداً إلى المصدر المضمون في ( عَمِلَ ) مثل ﴿ اعْدلُوا هُو أقرب للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ].
ومعنى ﴿ أصلح ﴾ صيّر نفسه صالحة، أو أصلح عمله بعد أن أساء.
وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه ﴾ في سورة [ المائدة : ٣٩ ].
وعند قوله :﴿ إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنُوا ﴾ في سورة [ البقرة : ١٦٠ ].
وجملة : فإنَّه غفور رحيم } دليل جواب الشرط، أي هو شديد المغفرة والرحمة.
وهذا كناية عن المغفرة لهذا التائب المصلح.
وقرأه نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف بكسر همزة ﴿ فإنَّه غفور رحيم ﴾ على أنّ الجملة موكَّدة بـ ﴿ إنّ ﴾ فيعلم أنّ المراد أنّ الله قد غفر لمن تاب لأنَّه كثير المغفرة والرحمة.
وقرأه ابن عامر، وعاصم، ويعقوب ﴿ فأنّه ﴾ بفتح الهمزة على أنَّها ( أنّ ) المفتوحة أخت ( إنّ )، فيكون ما بعدها مؤوّلاً بمصدر.
والتقدير : فغفرانه ورحمته.
وهذا جزء جملة يلزمه تقدير خبر، أي له، أي ثابت لمن عمل سوءاً ثم تاب. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon