وفي هاتين الجمتلين ما يسميه أهل البَديعِ : رَدَّ الأعْجَاز على الصدور، كقولهم :" عَادَات السَّادَات سادات العادات " ومثله في المعنى قول الشاعر :[ الطويل ]
٢١٨٠ - وَلَيْسَ الَّذِي حَلِّلْتَهُ بِمُحَلَّلٍ...
وَلَيْسَ الَّذي حَرَّمْتَهُ بِمُحَرَّمِ
وقال الزمخشري - بعد كلام قدَّمَهُ في معنى التفسير - : فإن قلت : أما كفى قوله :" ما عليك من حسابِهِمْ من شيء " حتى ضَمَّ إليه :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء ﴾ ؟
قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلةِ جُمْلةٍ واحدةٍ، وقصد بها مُؤدَّى واحد، وهو المعنى بقوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٤٦ ].
ولا يستقل بهذا المعنى إلاَّ الجملتان جميعاً، كأنه قيل :" لاتُؤاخَدُ أنت ولا هُمْ بحسابِ صاحبه " قال أبو حيَّان " لا تُؤاخَذُ أنْتَ.......
إلى آخره تركيبٌ غير عربي، لا يجوز عَوْدُ الضير هنا غائباً ولا مُخَاطباً، لأنه إنْ [ عاد ] عائباً فلم يتقدَّم له اسْمٌ مفرد غائب يعود عليه، إنما تقدَّم قوله :" هم " ولا يمكن العَوْد عليه على اعْتِقَادِ الاستغناء بالمفرد عن الجمع، لأنه يصير التَّركيب بحساب صاحبهم، وإن أُعيد مُخَاطباً، فلم يتقدَّمْ مخاطب يعود عليه، إنما تقدَّم قوله :" لا تُؤاخَذُ أنْتَ " ولا يمكن العَودُ إليه، فإنه ضمير [ مخاطب ]، فلا يعود عليه غَائِباً ولو أبْرَزْتَهُ مخاطباً لم يَصِحَّ التركيب أيضاً، فإصْلاحُ التركيب أن يقال :" لا يُؤاخَذُ كُلُّ واحدٍ منك، ولا منهم بحساب صاحبه، أو لا تُؤاخذ أنت بحسابهم، ولا هم بحسابك، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم "، فُتَغَلَّب الخِطَابَ على الغَيْبَةِ، كما تقول : أنت وزيد تَضْربَان ".


الصفحة التالية
Icon