والرابع : أنه تعالى ذكر هذه الآية في سورة الكهف، فزاد فيها فقال :﴿تُرِيدُ زِينَةَ الحياة﴾ [ الكهف : ٢٨ ] ثم إنه تعالى نهاه عن الالتفات إلى زينة الحياة الدنيا في آية أخرى فقال ﴿ا وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا﴾ [ طه : ١٣١ ] فلما نهى عن الالتفات إلى زينة الدنيا، ثم ذكر في تلك الآية أنه يريد زينة الحياة الدنيا كان ذلك ذنباً.
الخامس : نقل أن أولئك الفقراء كلما دخلوا على رسول الله ﷺ بعد هذه الواقعة فكان عليه السلام يقول " مرحباً بمن عاتبني ربي فيهم " أو لفظ هذا معناه، وذلك يدل أيضاً على الذنب.
والجواب عن الأول : أنه عليه السلام ما طردهم لأجل الاستخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما عين لجلوسهم وقتاً معيناً سوى الوقت الذي كان يحضر فيه أكابر قريش فكان غرضه منه التلطف في إدخالهم في الإسلام ولعلّه عليه السلام كان يقول هؤلاء الفقراء من المسلمين لا يفوتهم بسبب هذه المعاملة أمر مهم في الدنيا وفي الدين، وهؤلاء الكفار فإنه يفوتهم الدين والإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى فأقصى ما يقال إن هذا الاجتهاد وقع خطأ إلا أن الخطأ في الاجتهاد مغفور.
وأما قوله ثانياً : إن طردهم يوجب كونه عليه السلام من الظالمين.
فجوابه : أن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، والمعنى أو أولئك الضعفاء الفقراء كانوا يستحقون التعظيم من الرسول عليه السلام فإذا طردهم عن ذلك المجلس كان ذلك ظلمأْ، إلا أنه من باب ترك الأولى والأفضل لا من باب ترك الواجبات وكذا الجواب عن سائر الوجوه فإنا نحمل كل هذه الوجوه على ترك الأفضل والأكمل والأولى والأحرى، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٩٣ ـ ١٩٤﴾
فصل
قال الفخر :
قرأ ابن عامر ﴿بالغداة والعشى﴾ بالواو وضم الغين وفي سورة الكهف مثله والباقون بالألف وفتح الغين.