والثاني : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا ﴿أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا﴾ والمراد من قوله ﴿مَنَّ الله عَلَيْهِم﴾ هو أنه مَنَّ عليهم بالإيمان بالله ومتابعة الرسول، وذلك يدل على أن هذه المعاني إنما تحصل من الله تعالى لأنه لو كان الموجد للإيمان هو العبد، فالله ما منّ عليه بهذا الإيمان، بل العبد هو الذي منّ على نفسه بهذا الإيمان، فصارت هذه الآية دليلاً على قولنا في هذه المسألة من هذين الوجهين : أجاب الجبائي عنه، بأن الفتنة في التكليف ما يوجب التشديد، وإنما فعلنا ذلك ليقولوا أهؤلاء ؟ أي ليقول بعضهم لبعض استفهاماً لا إنكاراً ﴿أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا﴾ بالإيمان ؟ وأجاب الكعبي عنه بأن قال :﴿وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ ليصبروا أو ليشكروا، فكان عاقبة أمرهم أن قالوا ﴿أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا﴾ على ميثاق قوله ﴿فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [ القصص : ٨ ] والجواب عن الوجهين أنه عدول عن الظاهر من غير دليل لا سيما والدليل العقلي قائم على صحة هذا الظاهر، وذلك لأنه لما كانت مشاهدة هذه الأحوال توجب الأنفة، والأنفة توجب العصيان والاصرار على الكفر، وموجب الموجب موجب، كان الإلزام وارداً، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٩٦ ـ ١٩٧﴾
وقال الآلوسى :
والسلف كما قال شيخنا إبراهيم الكوراني وقاضي القضاة تقي الدين محمد التنوخي وغيرهما على إثبات العلة لأفعاله تعالى استدلالاً بنحو عشرة آلاف دليل على ذلك.