جاء في هذه الآية بطريقة أخرى لإبطال عبادة الأصنام وهي أنّ الله نهى رسوله عليه الصلاة والسلام عن عبادتها وعن اتّباع أهواء عبدتها.
وبُني ﴿ نُهيت ﴾ على صيغة المجهول للاستغناء عن ذكر الفاعل لظهور المراد، أي نهاني الله.
وهو يتعدّى بحرف ( عن ) فحذف الحرف حذفاً مطّرداً مع ( أنْ ).
وأجري على الأصنام اسم الموصول الموضوع للعقلاء لأنَّهم عاملوهم معاملة العقلاء فأتى لهم بما يحكي اعتقادهم، أو لأنَّهم عبدوا الجنّ وبعض البشر فغُلِّب العُقلاء من معبوداتهم.
ومعنى ﴿ تدعون ﴾ تعبدون وتَلْجئُون إليهم في المهمّات، أي تدعونهم.
و﴿ مِن دون الله ﴾ حال من المفعول المحذوف، فعامِلُه ﴿ تدعون ﴾.
وهو حكاية لما غلب على المشركين من الاشتغال بعبادة الأصنام ودعائهم عن عبادة الله ودعائه، حتَّى كأنَّهم عبدوهم دون الله، وإن كانواإنّما أشركوهم بالعبادة مع الله ولو في بعض الأوقات.
وفيه نداء عليهم باضطراب عقيدتهم إذْ أشركوا مع الله في العبادة من لا يستحقّونها مع أنَّهم قائلون بأنّ الله هو مالك الأصنام وجاعلها شفعاء لكن ذلك كالعدم لأنّ كلّ عبادة توجَّهُوا بها إلى الأصنام قد اعتدوا بها على حقّ الله في أن يَصْرفوها إليه.
وجملة ﴿ قل لا أتَّبع أهواءكم ﴾ استئناف آخر ابتدائي، وقد عدل عن العطف إلى الاستئناف ليكون غرضاً مستقلاً.
وأعيد الأمر بالقول زيادة في الاهتمام بالاستئناف واستقلاله ليكون هذا النفي شاملاً للاتِّباع في عبادة الأصنام وفي غيرها من ضلالتهم كطلب طرد المؤمنين عن مجلسه.
والأهواء جمع هَوى، وهو المحبَّة المفرطة.
وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ ولئن اتَّبعتَ أهواءهم ﴾ في سورة [ البقرة : ١٢٠ ].
وإنَّما قال : لا أتَّبع أهواءكم } دون لا أتَّبعكم للإشارة إلى أنَّهم في دينهم تابعون للهوى نابذون لدليل العقل.
وفي هذا تجهيل لهم في إقامة دينهم على غير أصل متين.