وجملة ﴿ قد ضللت إذا ﴾ جواب لشرط مقدّر، أي إنْ اتَّبعتُ أهواءكم إذَنْ قد ضللتُ.
وكذلك موقع ( إذَنْ ) حين تدخل على فعل غير مستقبل فإنَّها تكون حينئذٍ جواباً لشرط مقدّر مشروط بـ ( إنْ ) أوْ ( لوْ ) مُصرّح به تارة، كقول كُثَيِّر:
لَئنْ عاد لي عبد العزيز بمثلها...
وأمكنني منها إذَنْ لا أقيلها
ومقدّرٍ أخرى كهذه الآية، وكقوله تعالى :﴿ وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ﴾ [ المؤمنون : ٩١ ].
وتقديم جواب ( إذن ) على ( إذَنْ ) في هذه الآية للاهتمام بالجواب.
ولذلك الاهتمام أكّد بـ ﴿ قد ﴾ مع كونه مفروضاً وليس بواقع، للإشارة إلى أنّ وقوعه محقّق لو تحقّق الشرط المقدّر الذي دلّت عليه ( إذَنْ ).
وقوله :﴿ وما أنا من المهتدين ﴾ عطف على ﴿ قد ضَلَلْتُ ﴾، عطف عليه للدلالة على أنَّه جزاء آخر للشرط المقدّر، فيدلّ على أنَّه إن فعل ذلك يخرج عن حاله التي هو عليها الآن من كونه في عداد المهتدين إلى الكون في حالة الضلال، وأفاد مع ذلك تأكيد مضمون جملة ﴿ قد ضللت ﴾ لأنَّه نفَى عن نفسه ضدّ الضلال فتقرّرت حقيقة الضلال على الفرض والتقدير.
وتأكيد الشيء بنفي ضدّه طريقة عربية قد اهتديتُ إليها ونبَّهت عليها عند قوله تعالى :﴿ قد ضلّوا وما كانوا مُهتدين ﴾ في هذه السورة [ ١٤٠ ].
ونظيره قوله تعالى : وأضلّ فرعون قومه وما هدى } [ طه : ٧٩ ].
وقد أتي بالخبر بالجار والمجرور فقيل :﴿ من المهتدين ﴾ ولم يقل : وما أنا مهتد، لأنّ المقصود نفي الجملة التي خبرها ﴿ من المهتدين ﴾، فإنّ التعريف في ﴿ المهتدين ﴾ تعريف الجنس، فإخبار المتكلم عن نفسه بأنّه من المهتدين يفيد أنَّه واحد من الفئة التي تُعرف عند الناس بفئة المهتدين، فيفيد أنَّه مهتد إفادة بطريقة تشبه طريقة الاستدلال.
فهو من قبيل الكناية التي هي إثبات الشيء بإثبات ملزومه.
وهي أبلغ من التصريح.