قال في "الكشاف" في قوله تعالى :﴿ قال إنِّي لِعَمَلِكُمْ من القَالين ﴾ [ الشعراء : ١٦٨ ] : قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك : فلان عالم، لأنَّك تشهد له بكونه معدوداً في زمرتهم ومعروفة مساهمته لهم في العلم.
وقال عند قوله تعالى :﴿ قالوا سواء علينا أوعَظت أم لم تكن من الواعظين ﴾ في سورة [ الشعراء : ١٣٦ ].
فإن قلت لوقيل : أوعظت أو لم تعظ، كان أخصر، والمعنى واحد.
قلت : ليس المعنى بواحد وبينهما فرق لأنّ المراد سواء علينا أفعلتَ هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشرته، فهو أبلغ في قلَّة الاعتداد بوعظه من قوله : أم لم تعظ.
وقال الخفاجي إنّ أصل هذا لابن جنّي.
ولهذا كان نفي هذا الخبر مفيداً نفي هذه النسبة الكنائية فكانت أبلغيَّتُه في النفي كأبلغيَّته في الإثبات، لأنّ المفاد الكنائي هُو هُو.
ولذلك فسّره في الكشاف } بقوله :"وما أنا من الهدى في شيء".
ولم يتفطَّن لهذه النكتة بعض الناظرين نقله عنه الطيبي فقال : إنَّه لمَّا كان قولك : هو من المهتدين، مفيداً في الإثبات أنّ للمخبر عنه حظوظاً عظيمة في الهدى فهو في النفي يُوجِب أن تنفى عنه الحظوظ الكثيرة، وذلك يصدق بأن يبقى له حظّ قليل.
وهذا سفسطة خفيت عن قائلها لأنَّه إنَّما تصحّ إفادة النفي ذلك لو كانت دلالة المثبَت بواسطة القيود اللفظية، فأمَّا وهي بطريق التكنية فهي ملازمة للفظ إثباتاً ونفياً لأنَّها دلالة عقلية لا لفظية.
ولذا قال التفتازاني :"هو من قبيل تأكيد النفي لا نفي التأكيد" فهو يفيد أنّه قد انسلخ عن هذه الزمرة التي كان معدوداً منها وهو أشدّ من مطلق الاتّصاف بعدم الهدى لأنّ مفارقة المرء فئته بعد أن كان منها أشدّ عليه من اتِّصافه بما يخالف صفاتهم قبل الاتِّصال بهم.